إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

أدب السالك في طريق محمد

الباب الأول
الأدب مع الله - أدب العبودية


الله، المطلق، والاسم


إن حقيقة الأدب، وقمته، وخلاصته، هي الأدب مع الله.. والأدب مع الله إنما يكون بالتزام العبودية، والتزام مقتضياتها في حسن التأدب مع الربوبية.. ونحن لا نستطيع أن نتأدب مع الله، إلا إذا عرفناه، وهذا يقتضي أن نجعل المدخل على حديثنا عن الأدب، الحديث عن الله..
فالله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف، أو يوصف، أو يشار إليه، فهو مطلق يتسامى عن كل قيد، أو تحديد.. ثم إنه تعالى لكي يعرف، تنزل من إطلاقه إلى مرتبة القيد، فكان أول التنزل إلي مرتبة الاسم - الله، ثم مرتبة الصفة - الرحمن، ثم مرتبة الفعل - الرحيم.. وفي مرتبة الفعل برز الخلق، وببروزه أمكنت معرفة الله.. وإلى ذلك الإشارة بالحديث القدسي، الذي نصّه: (كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني).. فـ(كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة إطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا).. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجلّ عن أن تعرف.. ولكن لكي يعرف، تنزل إلى مرتبة الخلق، وإلى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق).. فالله تعالى إنما يعرف بخلقه.. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل.. هم فعله، وفعله ليس غيره.. وقمة الخلق، وأكملهم في الدلالة على الله، هو الإنسان الكامل، وهو صاحب مقام الاسم الأعظم (الله).. فالله اسم علم على الإنسان الكامل، الذي بين الذات المطلقة في إطلاقها، وبين جميع الخلق.. فأسماء الله الحسنى إنما هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، ثم هي لا تكون في حق الذات الصرفة، المطلقة، إلا عند التناهي، عندما تعجز العبارة وتكاد تنقطع الإشارة.. ذلك بأن الذات المطلقة فوق الاسم، وفوق الصفة.. الإنسان الكامل هو أعظم أسماء المطلق، وأعظم صفات المطلق، وهو أول تنزل من صرافة الذات، وهو الذات المحمدية، المشار إليها بقول المعصوم: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).. فهو مخلوق بالذات، وهذا معنى أنه أول تنزل منها.. وكل من عداه، وما عداه، مخلوق بالواسطة، بالأسماء، وبالصفات، وبالأفعال.. هو مخلوق به، ومنه.. فالإنسان الكامل هو الأمر الواحد، المشار إليه في قوله تعالى: (إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).. فهذا الأمر الواحد، هو التنزل إلى مقام الاسم (الله)، وعبارة (كلمح بالبصر) تشير إلى لحظة بروز المحدود من المطلق.. وعن هذا الأمر الواحد، يتم تنزل، وبروز، جميع الوجود الحادث، في الزمان والمكان، وبه يتم عروج جميع أفراد هذا الوجود في سيرهم السرمدي نحو الإطلاق..
فالإنسان الكامل، مقام الاسم الأعظم (الله)، هو الذي يعرّف ذات الله، ويعرّف غيره بها، وإلى ذلك الإشارة بعبارة (فبي عرفوني) الواردة في الحديث القدسي.. يعنى بالله، صاحب مقام الاسم الأعظم، تعرف ذات الله، وهذا معنى قولهم: (لا يعرف الله إلا الله).. يعنى لا يعرف ذات الله، إلا الإنسان الكامل.. وذات الله، تعرف بالله، بمعنى أنه يقيد من إطلاقها، فتعرف عن طريق هذا التقييد.. وإلى هذا المعنى أيضا الإشارة بقوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) فالغيب هنا إشارة إلى الذات المطلقة فهي قمة الغيب.. و(لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) يعنى لا يعرف ذات الله إلا (الله)، الإنسان الكامل.. وعبارة (فبي) من الحديث القدسي تعنى أيضا (محمدا).. ففي لغة الأرقام مجموع حروف اسم (محمد)، يساوي مجموع حروف (فبي).. كلاهما اثنان وتسعون.. فبذلك يصبح معنى (فبي عرفوني)، بمحمد عرفوني.. فبمعرفة الحقيقة المحمدية، يعرف الله..
وعن كون ذات الله الصرفة لا تعرف، ولا توصف، ولا يشار إليها، يجيء قوله تعالى في القرآن: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)، فـ(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) يعنى تنزه الله في ذاته عن كل وصف، (وسلام على المرسلين) يعنى أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام.. وفي هذا المعنى أيضا يأتي قول المعصوم: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة، والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته، بخلاف ذلك).. من كل ذلك يتضح أن الله هو اسم علم على الإنسان الكامل، وأن جميع صفاته هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، وأن الذات المطلقة إنما هي فوق الاسم، وفوق الصفة، وتقصر عنها العبارة، والإشارة.. فالله المشار إليه في القرآن، بين دفتي المصحف هو صاحب الاسم الأعظم.. هو الإنسان الكامل.. فالقرآن جميعه إنما هو في حقه، في المكان الأول.. وهذا المقام، مقام الحقيقة المحمدية، هو مقام في الملكوت ولكن بفضل الله يتنزل في كل يوم إلى عالم الملك، حتى يتجسّد على الأرض، وبتجسيده، تتحقق خلافة الأرض، المشار إليها بقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة).. وبذلك يتم التزاوج بين الملك والملكوت، فتتحقق جنة الأرض، ويحل في ربوعها السلام - وهذا أمر سيأتي تفصيله في الأبواب التالية.. والإنسان الكامل هو أكبر من يحقق الأدب مع الذات.. فمقامه هو مقام العبودية الكاملة - هو (المسلم).. فهو بالنسبة للذات، مجرد بوق تنفخ فيه.. ولذلك هو العبد حقا، والمسلم حقا.. وإنما يأتي كمال عبودية الإنسان الكامل (الله)، من كمال علمه المتجدد، الذي يجدد به عبوديته، ويجدد به أدبه في عبوديته، كل حين.. فهو في كل وقت جديد، صاحب علم جديد، متخلقا في ذلك بقوله تعالى: (كل يوم هو في شأن).. فشأن الله هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه.. ويوم الله هنا، هو وحدة زمنية التجلي، وهو لحظة بروز المحدود من المطلق، وهي لحظة تدق حتى تكاد تخرج من الزمن.. وإبداء ذات الله لخلقه، إنما يتم عن طريق تقييد الإنسان الكامل للمطلق، فهو في كل لحظة يقيد من المطلق ما به يزيد علمه، وتتجدد عبوديته، وتتسع حياته، وعن طريق هذا التقييد تقع معرفة الخلق لذات الله، ويقع سيرهم إليه.. والإنسان الكامل، لما كان بين المطلق في إطلاقه وبين جميع الخلق، فهو من وجهه الذي يلي المطلق، مطلق، بمعنى أنه في تجدد مستمر، ومن وجهه الذي يلي الخلق مقيد، بمعنى انه مجسد..
ولما كان الإنسان الكامل هو قيد الذات بالصورة التي ذكرناها، فإن كل الوجود مستمد منه.. وكل أنوار الولايات وأنوار النبوات، مستمدة من نوره.. وكل حركة التطور إنما تطلبه.. فما تحرك من متحرك، ولا سكن من ساكن إلا في سبيله، سبيل أن يتنزل من الملكوت إلى الملك..
وعلى ضوء هذا الفهم عن الله، نتحدث عن أدب العبودية، الأدب مع الله، وهو الأدب الذي وردت تفاصيله في القرآن كما سنرى، إن شاء الله..

العبوديــــة


إن العبودية هي تكليفنا الأساسي.. نحن ما خلقنا إلا لنكون عبيدا لله، وفي ذلك يجيء قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) يعنى ما خلقتهم إلا ليصيروا لي عبيدا بواسطة العبادة.. أو ما خلقتهم، إلا ليعبدوني كما أمرتهم على لسان رسلي، ليكونوا لي عبيدا كما أمرتهم على لسان عزتي، حيث قلت (إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. فالعبودية هي تكليفنا الأساسي، وهي تعني معرفة أسرار الربوبية، والأدب معها.. فهي خلاصة الأدب، وقمته.. ولما كانت الربوبية مطلقة، فكذلك العبودية، ولذلك فإن عملنا في التأدب بأدب العبودية، عمل مستمر، لا يتم الفراغ منه.. فكأن حقيقة تكليفنا هي أن نتأدب مع الربوبية، الأدب الكامل، الذي يليق بعظمتها، وجمالها، وجلالها، وكمالها، وهيهات!!
ونحن إنما نتحقق بأدب العبودية، عن طريق التخلص من الدعوى، ومعرفة أنفسنا بما هي عليه من العجز، والتخلص من رق الأشياء التي تسترقنا من دون الله، وفي قمتها الزمن.. وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق تجويد التوحيد، بتقليد النبي المعصوم، بوعي، وبأدب..

الأدب بين العلم والإيمان


إن سبب سوء الأدب مع الله، هو الجهل به تعالى.. نحن لشدة جهلنا به نكون سيئي الأدب معه، فنقدّم أنفسنا عليه، ولا نطيعه، ولا نخضع، ونستسلم له كما ينبغي.. ولا نأمنه على أنفسنا، ونرضى به مدبرا لشؤوننا.. ونتهمه تعالى، ونسخط عليه، في معنى ما نسخط على فعله فينا وفيما حولنا.. ونحن لشدة، جهلنا، وسوء أدبنا، نغفل عنه تعالى، ننشغل عنه بغيره، ونخشى، ونطمع في غيره.. إلى غير ذلك من صور سوء الأدب مع الربوبية، التي عليها الناس اليوم..
ونحن لا نطمئن إلى الله تمام الاطمئنان، ونرضى به ونسلّمه أنفسنا، دون اعتراض منا عليه، إلا إذا بلغ علمنا به مرتبة حق اليقين، فأصبح علما مجسّدا، معاشا، يقوم على التجربة والذوق.. ونموذج هذا العلم هو ما تحكيه تجربة سيدنا إبراهيم، ومنها تجربته مع الحريق بالنار التي شبّها له النمرود، وقذفه فيها، فأنجاه الله منها، بحسن توكّله عليه.. ومنها أخذ فرعون مصر زوجته سارة، فباتت ليلتها في قصر فرعون وبات إبراهيم آمنا مطمئنا على زوجته، وذلك لحسن ثقته بالله، فأنجاها الله وأكرمها.. ومنها تركه هاجر، وطفلها إسماعيل، في موضع البيت الحرام، حيث لا زرع، ولا ضرع، ولا ماء، ولا أنيس، تنفيذا لأمر الله، فنبع لهم الماء، وفك الله كربهما وآنسهما.. ومنها تصديقه الرؤيا، وعمله على ذبح ابنه إسماعيل، تنفيذا لأمر الله ففداه الله.. ومنها تجربة إحياء الطير، بعد تقطيعه.. فبعد هذه التجارب العملية حقق سيدنا إبراهيم مراتب اليقين، وقال تعالى في حقه: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض، وليكون من الموقنين).. فهو من خلال التجارب العملية اطمأنّ قلبه، وقوى يقينه، فجاءه الأمر بالإسلام، بعد أن جاءه الإذن به: (إذ قال له ربه: أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين)..
وعلم اليقين ليس أمرا معلقا، ليس إليه من سبيل، وإنّما هو أمر عملي، يبدأ من بداية بسيطة، هي الإيمان، الذي هو مقدمة كل علم.. فحركة السير إلى الله، هي دائما بين إيمان وعلم، ولن تتفك.. والإيمان يزيد بالعمل في العبادة، والمعاملة وفق نهج السنة، حتى يتجسّد، فيصبح يقينا، وتطمئن إليه النفس.. فمثلا سيدنا إبراهيم، كان يؤمن بأن الله يحيي الموتى، ولكنه كان يريد أن يطمئن قلبه لذلك، كان يريد أن يوقن.. ولذلك طلب أن يريه الله كيف يحيي الموتى، فقص علينا القرآن القصة بقوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى.. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي.. قال: فخذ أربعة من الطير، فصرهنّ إليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، ثم ادعهن.. يأتينك سعيا.. واعلم أن الله عزيز حكيم).. فإبراهيم كان يؤمن بأن الله يحيي الموتى، ولكنه كان يريد أن يوقن، فأراه الله التجربة، فلما رأى بعيني رأسه كيف يحيي الله الموتى، أصبح إيمانه مجسدا، وبذلك أصبح يقينا.. وهكذا فإن الاختلاف بين الإيمان، وبين العلم ليس اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار..
ونحن لكي تطمئن نفوسنا لله، فتتأدب معه، وتسلم له، علينا أن نستيقن حقيقة أن الله خير محض، وأن الشر إنما هو من عند أنفسنا، هو إنما يجيء من تدبيرنا وحرصنا، وبسبب توسعنا في أمور الدنيا.. إن سبب الشر هو جهلنا، الذي يجعلنا نختار إرادتنا دون إرادته تعالى، فنتقدمه، ولا نرضى به.. ونحن لشدة جهلنا قد نحب أشياء هي في الحقيقة شر لنا، وقد نكره أشياء هي في الحقيقة خير لنا، وفي ذلك يقول تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون).. فنحن لما كنا لا نعلم - وهذا أمر يمكن أن يكون واضحا لكل منا - علينا أن نترك الأمر لمن يعلم، لله، ثقة به، وتوكلا عليه.. فهو أرأف بنا منا.. وأعلم بخيرنا، وأقدر على توصيله إلينا، منا.. فهو الرؤوف الرحيم (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) فالإيمان، والثقة، بأن الله خير محض، هو مقدمة العلم الذي به تطمئن القلوب، وتتخلص من الخوف فترضى بالله، وتتأدب معه.. وهذا الإيمان هو السبيل العملي لتخليصنا من الخوف من الغيب.. فاللحظة المقبلة غيب، ونحن لا نعلم ما يصيبنا فيها.. ولكن إذا آمنا أن ما يصيبنا فيها هو مكتوب لنا وأنه على كل حال خير، لأنه لا يصدر من الله في الحقيقة، إلا الخير، فإن هذا الإيمان هو البداية العملية لمحاربة الخوف، وتحقيق العلم بالله، والأدب معه.. وقد جاء القرآن ليؤكد هذا المعنى، في العديد من الآيات منها قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون).. (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يعني أن كل ما يصيبنا هو من عند الله، وهو مكتوب لنا سلفا، وهو خير، وقد جاءت الإشارة إلى كونه خيرا بقوله (كتب الله لنا).. فهو قد قال (لنا) ولم يقل (علينا)، مما يؤكد أن المكتوب هو خير، وهو لمصلحتنا.. وقوله (هو مولانا) يعنى أن الله تعالى هو المتولي أمورنا، والراعي لشؤوننا.. فإذا كان الله تعالى هو خير محض، وهو بنا رؤوف رحيم، وهو على كماله يتولى أمورنا، فإن هذا أمر يبعث الثقة، والطمأنينة في النفس، ثقة بالله وتوكلا عليه، ولذلك ختم الآية بقوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).. فالإيمان بالله وحسن الظن به، هما البداية العملية للعلم بالله الذي يعين على الأدب معه، وهي بداية بسيطة وممكنة، وقد توفرت لها الأسباب.. وعن حسن الظن بالله، يقول تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي خيرا).. فبالإيمان وحسن الظن بالله، وبالعمل في العبادة والمعاملة، يتحقق العلم بالله، الذي يفضي إلى الأدب معه..

الزهـــد


لقد قلنا إنّ أدب العبودية يقتضي أن نتخلص من استرقاق الأشياء لنا، حتى تخلص عبوديتنا لله، فإنه تعالى أغنى الشركاء عن الشراكة، وهو قد قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشراكة، فمن أشرك بي شيئا تركت نصيبي لشريكي).. فنحن إذا كنا نتوسّع في الدنيا، ونشعر بالحاجة إليها، فإن هذه الحاجة رق لغير الله.. فالأشياء التي نملكها، هي في الحقيقة تملكنا، وتسترقنا، بالقدر الذي نشعر فيه بحاجتنا إليها.. فالعبد لا يملك.. فمجرد شعورنا بأننا نملك، هو وهم، ينقص من عبوديتنا لله.. والتوسع في الدنيا صورة من صور التعبير عن الخوف، ودليل على الاعتماد على غير الله.. فالمتوسّع في الدنيا لشدة خوفه من الموت، أراد أن يجعل بينه وبين الموت العديد من أسباب البقاء، وهي أسباب دلت التجربة العملية، الطويلة، أنها لا تغنى شيئا.. بل إن التوسّع في الدنيا هو من أسباب الموت الحقيقي، وهو الغفلة عن الله، والجهل به، فهذا هو الموت الحقيقي الذي ينبغي أن يخاف منه الناس.. أما الموت الحسي، فما هو عند الله بموت، ويجب التصالح معه.. والتصالح معه، وهزيمة الخوف منه، لا يكونان بالتوسّع في الدنيا، وإنما يكونان بالعلم بالله، ووصل الحياة به، فهو مصدر الحياة، وسبب بقائها، لا الأسباب الظاهرة.. فبالعلم بالله تعمّر الحياة، ويتسّع العلم، فيتم إدراك حقيقة الموت كمرحلة جديدة من مراحل الحياة، أكبر، وأوسع، من الحياة الدنيا.. وعندئذ ينتفي الخوف من الموت ويصبح أحب غائب إلينا.. فالانتصار على الموت إنما يكون بالزهد، لا بالتوسّع في الحياة، وهذا على عكس ما عليه الناس اليوم..
والزهد هو استشعار حاجتنا لله، في كل شيء، وفي كل حين، والاستغناء عن كل ما عداه.. والزهد بهذا المعنى هو قمة العلم.. فنحن، لما كانت قيوميتنا بالله، لا نستطيع أن نستغني عنه طرفة عين، ولا أقل من ذلك، ولا أكثر.. فاستيقان هذه الحقيقة - حقيقة حاجتنا المطلقة لله - هو العلم بالله.. ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين العلم والزهد.. وهذا العلم يبدأ بالإيمان، كما ذكرنا، الإيمان بقوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).. وبقوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور).. فبمثل هذا الإيمان يبدأ الاعتماد على الله، والاستغناء عن غيره.. وبالعمل في العبادة، والمعاملة، يزداد الإيمان، ويزداد الاعتماد على الله، والاستغناء عن غيره، ويتم التخلص من التوسّع في الدنيا.. فالزاهد لا يتوسّع في الدنيا، وهو لا يملك الأشياء، وعلاقته بالأشياء التي يستخدمها إنما هي علاقة ارتفاق، لا علاقة ملكية.. فالرياضة في مجال الزهد تفضي إلى علم اليقين، وتعين على تحقيق أدب العبودية.. فالزاهد الذي يعلم حاجته المطلقة لسيده، واستغناءه المطلق عما سواه، هو العبد، الذي لزم أدب العبودية.. وهو الحر، مطلق الحرية، لأنه حر عن كل ما عدا الله..

أدب الوقـــت


إن الأشياء التي تسترقنا، وتنقص من عبوديتنا لله، ومن أدبنا معه، كثيرة، ولكن جميعها يحويها الزمن.. ولذلك فإن الزمن هو أكبر ما يستعبدنا من دون الله.. ولشدة سلطان الزمن، أشركه الأقدمون مع الله، فقالوا: كما حكى عنهم القرآن: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر).. ولذلك فإن التخلص من استعباد الزمن لنا، هو أكبر أسباب القيام بمقتضيات أدب العبودية لله.. والزهد، بالصورة التي تحدثنا بها عنه، هو من أهم الوسائل العملية، المعينة على التخلص من استعباد الزمن لنا.. فالزمن إنما يستعبدنا عن طريق الخوف.. ونحن عندما نتوسع في الدنيا، يزداد خوفنا، وحرصنا، على الأشياء التي نمتلكها، فنتوهم الخطر وتكثر حركة جولان فكرنا بين الماضي والمستقبل.. أما عندما لا نملك ما نخاف عليه، توكلا على الله، وزهدا في الدنيا، فإن ذلك يعين على الطمأنينة، والاستقرار الداخلي، ويعين على العيش في اللحظة الحاضرة..
والتخلص من استعباد الزمن لنا، لا يتم إلا عن طريق العلم بالله، والتخلص من الخوف، ذلك الخوف الذي أزعجنا من أن نعيش في اللحظة الحاضرة، وجعلنا نعيش موزعين بين الماضي والمستقبل.. والله تعالى ليس في الماضي، ولا هو في المستقبل، وإنما هو في اللحظة الحاضرة.. فالعيش في اللحظة الحاضرة، هو الحياة الكاملة، الحياة الموصولة بمصدرها، الموصولة بالله.. والأدب مع الله يقتضي الحضور معه، بالعيش في اللحظة الحاضرة.. فهذا هو أدب العبودية.. فالله تعالى حاضر دائما.. فمن أكبر سوء الأدب أن يكون السيد حاضرا، والعبد غافلا عنه، ومنصرفا إلى غيره من خلقه وعبيده!!
فالأدب جماعه (أدب الوقت).. وأدب الوقت يعنى أن نعيش في اللحظة الحاضرة، قائمين بواجبنا المباشر جهد الإتقان، ثم نرضى بالنتيجة، حتى ولو كانت على غير ما كنا ننتظر، ونحب، وذلك توكلا على الله، وثقة به، وبحسن اختياره لنا.. والعيش في اللحظة الحاضرة، والتزام أدب الوقت، ليس بالأمر السهل، والميسور، وإنما هو من أشق الأمور على النفس.. فتحقيقه يحتاج إلى الحياة كلها.. ولا سبيل إلى تحقيقه إلا بالعلم، والانتصار على الخوف.. ولا يتم ذلك إلا بالمران، والرياضة الطويلة، وفق نهج السنة، في تقليد النبي المعصوم.. فجميع أعمالنا في الصلاة، وفي كل صور العبادات الأخرى، وفي المعاملة إنما هي مران على أن نتخلص من الأشياء التي توزعنا، فنعيش في اللحظة الحاضرة، متحلين بأدب الوقت.. فلذلك فإن الحديث عن أدب الوقت سيظل يلازمنا في جميع أبواب هذا الكتاب..
وأدب الوقت يقع على ثلاثة مستويات، مستوى الشريعة، ومستوى الطريقة، ومستوى الحقيقة.. والتفاوت بينها تفاوت مقدار.. والقاسم المشترك بين آداب المستويات الثلاثة، هو الحضور في الوقت الحاضر، وليس لإتقان الحضور نهاية فيبلغها العبد، فقد قال تعالى: (فلا تعجل عليهم، إنما نعد لهم عدا).. يعنى نحصي لهم الأنفاس الطالعة والنازلة.. فالإنسان محاسب على كل جزئية من جزئيات حياته.. فيم صرفها؟ وفي قوله تعالى: (ثم لتسألن، يومئذ، عن النعيم).. فالنعيم المعني هنا هو العمر، منذ لحظة الميلاد وإلى الموت، يسأل الإنسان عن كل شيء فيه!!
وقمة أدب الوقت، وهي قمة الأدب مع الربوبية، هي ما حكاه الله تعالى عن حالة النبي في المعراج، وذلك حين قال: (إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى).. قوله: (ما زاغ البصر وما طغى) يعنى قد توقف جولان فكر النبي بين الماضي والمستقبل، وبذلك تم له رفع حجاب الفكر، وخرج عن الزمان، والمكان، فتحرر من أكبر العناصر، فاكتملت له عبوديته لله، بهذا الانعتاق الكبير، من رق العناصر، اكتمل له أدبه مع ربه.. وفي تلك الإلمامة انطبق النبي مع حقيقته فتحقق له المقام المحمود في الملكوت، بفضل الله، ثم بفضل التحلي بأدب الوقت في قمته.. ثم تحقق للنبي المقام المحمود بنزع الموت، فانتقل به إلى البرزخ.. وهو قد ظل في حياته، وفي برزخه، يعمل إلى إنزال هذا المقام من الملكوت إلى الملك، ليتجسد في الأرض - وهذه أمور سنبينها في موضعها من الكتاب - وتجسيد المقام المحمود في الأرض، إنما يتم بفضل الله، ثم بفضل التحلي بأدب الوقت.. فهو إنما يتم عند صاحبه بإنزال الملكوت إلى الملك، وبتحقيق أدب الوقت في قمته.. فكأن الأمر يتم على مستويين، وفي آن معا.. المستوى الرأسي، وهو حركة تطابق الملك والملكوت.. والمستوى الأفقي، وهو حركة تضييق مجال الذبذبة بين الماضي والمستقبل، حتى يتم التوقف في اللحظة الحاضرة.. فاللحظة التي يتم فيها انطباق الملك على الملكوت، عند الشخص المرشح للمقام ويتم فيها التوقف في اللحظة الحاضرة، هذه اللحظة هي الساعة.. وهي تحقيق المقام المحمود على الأرض.. هي لحظة نزول المسيح، التي فيها تكتمل الحياة، وتتحقق خلافة الأرض، فتشرق الأرض بنور ربها، ويحل في ربوعها السلام.. وصاحب هذا المقام هو (صاحب الوقت) لأنه أكبر من تأدب مع الوقت، فانتصر عليه بهذا الأدب.. والأمر الذي يهمنا هنا، هو أن نؤكد أن التزام أدب الوقت بالعيش في اللحظة الحاضرة، هو السبيل لتحقيق كل الكمالات في الأرض، وعند كل فرد.. وهو أمر عملي، تتم ممارسته في السلوك في الحياة اليومية في العبادة، وفي المعاملة، كما سنبينه في موضعه..

الرضـا باللـه


إن أدب العبد مع الرب يقتضي الخشوع، والخضوع، والانكسار.. ويقتضي الطاعة، والانقياد، والتسليم ظاهرا وباطنا.. والمدخل على جميع هذه الأمور - المدخل على أدب العبودية إنما هو الرضا بالله.. فمن أكبر مظاهر عدم الأدب مع الله، السخط عليه.. وأدق مظاهر السخط التمني.. والسخط على الله كما ذكرنا، يكون بالسخط على فعله فينا، وفي ما حولنا من الأمور التي لا ترضاها نفوسنا.. ولذلك فمن الأدب مع الله التخلص من صور هذا السخط، والعمل على الرضا..
وفي هذا الباب، وفي مجال تأديب النبي، وتأديب الأمة من بعده، يجيء قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار، لعلك ترضى * ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم، زهرة الحياة الدنيا، لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى).. والتسبيح يعنى الذكر والتنزيه.. وهو هنا يعنى أيضا الصلاة.. ففي هذه الآية أوقات الصلاة الخمسة.. و(لعلك ترضى) تجعل الصلاة وسيلة الرضا.. فالرضا بالله ربا هو نتيجة تمام المعرفة به.. وتمام المعرفة هو ثمرة ذكره تعالى، بلا غفلة، ولا انقطاع.. والرضا بالله ربا مدخل على العبودية، فمن رضي بالله آثره على نفسه، فترك ما يريد هو رضاً بما يريده سيده.. والرضا يعنى ترك التمني، فقد أثر عن الحسن بن على أنه قال: (من وثق بحسن اختيار الله له، لم يتمن غير الحالة التي هو فيها).. وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم، زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى) أي لا تتمن.. (ورزق ربك) هو ما اختاره هو لك، وهو ما أنت عليه، فهذا (خير وأبقى) مما تتمناه أنت لنفسك، فعليك أن ترضى به، ولا تتمن غيره، ثقة بربك، وبحسن تدبيره، وتأدبا معه..
والرضا التام بالله يقتضي عدم الاعتراض عليه، ولو في الخاطر.. فالعبد لله، لا يقوم في خاطره اعتراض على إرادة سيده، فإذا قام لا يلبث أن يراجعه، ويتوب عنه.. والنفس لا تستجيب لهذا المقام إلا إذا بلغ علمها حق اليقين، فاطمأنّت وسكنت، لاستيثاقها بأن الله أعلم بمصلحتها منها، وأنه تعالى أقدر منها على توصيل الخير إليها، وأرحم بها منها، وأولى بها منها من جميع الوجوه.. وهذا الأمر على سموقه، إنما يبدأ بداية بسيطة، يبدأ بالإيمان والعمل وفقه، كما سبق أن بيّنّا.. ثم هو يتحقق بفضل الله وتوفيقه، ثم بإدمان الفكر، وطول المران والرياضة والمجاهدة في العبادة والمعاملة، وفق نهج السنة..
والرضا بالله مجاهدة في مقام العبودية، فإن العبد لا يزال يجاهد دواعي طبعه في السخط على الله، وعدم الرضا به، في دقائق صور السلوك حتى يرضى الله تعالى عنه، فينتقل من النفس الراضية إلى النفس المرضية، وهي النفس التي لا يلقيها الله إلا ما تحب.. والنفس لا ترضى تمام الرضا، وهي تلقى من الله ما تكره، ولذلك فقد عبر الله تعالى عن حالة المرضيين عنده بقوله: (لهم ما يشاءون فيها.. ولدينا مزيد).. فهم قد أنجز الله لهم مشيئتهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله (لهم ما يشاءون فيها) ثم لما كانوا مرضيين من الله لطول ما رضوا به، مد لهم الله علما به متجددا، به تتجدد مشيئتهم، وتتجدد مطالبهم، فيستجاب لها فور بروزها، وإلى ذلك الإشارة بقوله: (ولدينا مزيد).. ويلي مرتبة النفس المرضية، النفس الكاملة، وهي النفس التي، حين تفنى عن كمالها، يتحقق لها كمال الأدب مع الله، فتتحقق لها الحياة الكاملة.. ومقام هذه النفس، هو (المقام المحمود)، وهي نفس الإنسان الكامل، الحقيقة المحمدية.. وإلى هذا المقام كان عروج النبي.. فالنبي قد عرج من النفس الراضية إلى النفس الكاملة.. ثم لما رجع من المعراج، فرضت عليه الصلاة الشرعية، لتكون معراجا له بالأصالة، ولأمته بالتبعية، إلى المقام المحمود.. وفي ذلك يقول تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)..
وأول مراتب العروج إلى الله (ذي المعارج)، هي مرتبة وحدة الفاعل.. وهي أول تجليات الذات مما يلي العبد، وهي أصل التوحيد، فبتجويد وحدة الفاعل تتم معرفة أسرار الربوبية - معرفة فعل الله، وحكمته وراء فعله - وعن طريق هذه المعرفة يتحقق للنفس الرضا، فهي لا ترضى إلا إذا عرفت الحكمة وراء الفعل.. وعن طريق هذا الرضا يتحقق للنفس الأدب.. وبعد تجويد وحدة الفاعل، وهي مرتبة الواحدية، ينتقل العابد المجود إلى وحدة الصفة، وهي مرتبة (الأحدية)، (قل هو الله أحد).. والمرتبة الثالثة من مراتب العروج إلى الله هي مرتبة الاسم، وهو (الله)، وليس وراء هذه المرتبة إلا الذات الصرفة.. والعروج إلى الله هو عمل داخل النفس البشرية.. هو الحركة الصاعدة في العلم، والحياة.. الحركة من علم ناقص إلى علم أتم، ومن حياة ناقصة إلى حياة أتم.. هو تقريب صفات العبد من صفات الرب..
والى جانب كل ما ذكرنا عن الزهد، والرضا، وأدب الوقت، هناك العديد من صور السلوك، المعينة، والمحققة، لأدب العبودية.. فمن الأدب مثلا، أن ننسب الخير لله، وننسب الشر، والنقص، والتقصير، لأنفسنا.. وألا نعتذر بالحقيقة، عن تقصيرنا في الشريعة، فنقول عند التقصير (الله ما أراد)، كما يفعل الناس اليوم، فإن هذا من أسوأ صور سوء الأدب مع الله..
ومن أدب العبودية، ألا نعمل عملا في الخلوة، ونخشى أن يطلع عليه الناس في الجلوة، فهذا دليل على الغفلة الكبيرة عن الله، وعلى سوء الأدب معه.. فالله حاضر، في الخلوة، وفي الجلوة، وهو أولى أن نراعي جانبه، ونخشاه، فلا نقع في ما نهى عنه، فنعصيه بنعمته، وتحت بصره.. والذي لا يتورع من أن يعمل في الخلوة، ما يخشى عمله في الجلوة، هو رجل لا يقدر الله حق قدره، فهو يظن أن الله لا يعلم بعمله هذا الذي يعمله في خلوته.. وهذا الظن الفاسد، وهو من أكبر أسباب الخسران وإليه الإشارة بقوله تعالى: (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم، أرداكم، فأصبحتم من الخاسرين).. فمثل هذا الظن هو أكبر سوء الأدب مع الله، ومن أكبر أسباب الخسران، فعلينا أن نتجنبه، بأن نتذكر الله، ونستشعر حضوره معنا، ومراقبته لنا، ونستعين بشتى الوسائل لتحقيق هذا الغرض..
وبعد، إن الصورة العملية، والمفصلة، لأدب العبودية، واردة في القرآن، حيث أدب الله، ووسيلة الأدب معه.. وحيث أدب النبي، الذي عاش القرآن وتخلق بأخلاقه.. ولذلك نحن سنتحدث في الباب التالي عن أدب القرآن.. وكل المعاني التي سبق أن تحدثنا عنها، ستتضح بصورة أكبر، وأكثر تفصيلا، وأكثر تنزلا للواقع العملي في الحياة اليومية، كلما دخلنا أكثر في أبواب الكتاب..

=======