إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الجمهوري والمهاجر والأكتوبري

الاستقلال الحق:


وإذا قلنا ان الجمهوريين هم أول من نادي بالاستقلال فإنا لا نعدو الحقيقة، ذلك بأن الاستقلال الحق هو الذي لا يركن لإحدى دولتي الاستعمار، مصر وبريطانيا، كما كان من أمر الأحزاب الإتحادية، وحزب الأمة اذ كان قصارى هؤلاء ان يدعوا إلى الإتحاد مع مصر، او التحالف مع بريطانيا.. فعندما اتفقت هذه الأحزاب وسافر منها وفد إلى مصر ليراقب محادثات صدقي - استانسجيت حول السودان، في مارس 1946، أجهض هذا الوفد مطالب السودانيين الحقيقية بصورة مؤسفة، اذ لم يرتفع بها إلى مستوي النضال والتطلع الشعبي الطبيعي، للإنعتاق التام من ربقة الاستعمار، فقد علق الوفد مطالبه بحكومتي الحكم الثنائي ذلك بأنه قد طالب بـ(إقامة حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا العظمي) - راجع جريدة الرأي العام 28/3/1946.
وفي مقابل هذا الخذلان الذي سول للأحزاب الإتحادية والاستقلالية الركون إلى حكومتي الاستعمار، كان الجمهوريون يواجهون الأمر في قوة، ووضوح رؤية، وفي حسم شديد.. ففي منشورهم السابق الذكر، جآءت هذه العبارات في شجب ركون الحزبين الطائفيين لدولتي الحكم الثنائي:
(يا هؤلاء، وهؤلاء، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لا تقوون على مواقف الرجال الأشداء، وأنتم تتمسحون بأعتاب الإنجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء، أنتم تريدون السلامة وأنتم تريدون الملك، أنتم تضيعون البلاد لما تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لما تطمعون)..
لذلك قلنا ان الجمهوريين هم الذين دعوا إلى الاستقلال الحق.. الذي يتحرر من ربقة كلتا دولتي الحكم الثنائي مصر، وبريطانيا.. أكثر من ذلك!! فإن الأحزاب لم تكن تسعى للاستقلال كوسيلة تحقق الحرية والكرامة.. فلم تكن تلك الأحزاب تعطي وزنا لما يؤول اليه أمر البلاد بعد خروج المستعمرين.. واما الجمهوريون فقد كانوا يحسبون لذلك حسابا كبيرا، وكانوا يحذرون من مغبة عدم الالتفات إلى المذهبية التي تعطي الاستقلال محتواه، ومن ذلك ما جاء في سفرهم الأول، 26 اكتوبر عام 1945، الطبعة الثانية صفحة 19 حيث قالوا: (أن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الاستقلال كغاية في ذاته وإنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية، وهي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده على اظهار المواهب الكمينة في صدره ورأسه)..