وحدة وادي النيل:
لقد كانت نظرة الجمهوريين لعلائق السودان بمصر تختلف عن نظرة الاتحاديين، ونظرة حزب الأمة، على السواء، اذ يريد الجمهوريون الاستقلال التام، من غير عداء لمصر، ومن غير غفلة عن المطامع التاريخية التي تطل برأسها دائما، عبر الساسة المصريين.. وقد عبر عن هذا الرأي بيان لهم نشر في جريدة الرأي العام 14/11/1946: نقتطف منه ما يلي: -
(العلاقات بين مصر والسودان علاقات وثيقة وهي إنما كانت كذلك لأنها طبيعية، ولن يكون في مصلحة اي من القطرين ان تضعف هذه العلاقات على وجه من الوجوه).. (فلأن يكون السودان حرا مستقلا قويا أفضل لمصر وأعود بالخير على تلك العلاقات، من أن يكون مستعمرا مستعبدا ضعيفا)..
ثم أن الجمهوريين دعاة وحدة، شاملة تنتظم العالم أجمع، ولذلك اتجهوا إلى وضع الأسس التي بتطبيقها في السودان توضع اللبنة الأولى للنظام الإتحادي الإقليمي، والعالمي: فقد جاء في كتابنا أسس دستور السودان ص 31 ما يلي: (ولقد اخترنا لتنظيم مجتمعنا الصغير النظام الاتحادي المركزي لأمرين: أولهما واهمهما ان هذا النظام يناسبنا من جميع الوجوه، وثانيهما أن تنظيمه لمجتمعنا الصغير يتجه في نفس الإتجاه الذي بمواصلة السير فيه نصل إلى تنظيم مجتمعنا الكبير – المجتمع العالمي) إلخ..
ولكن الجمهوريين يشترطون للوحدة الثنائية، وللوحدة العالمية، شرطين أساسيين أولا: المذهبية التي توحد الشعب، وتوحد العالم فكريا، وعاطفيا، وثانيا: توحيد كل شعب على حدة في داخليته بتحقيق الوحدة القومية، قبل الدخول في وحدة كبيرة مع جيرانه..
مشكلة الشرق الأوسط:
ومما كان فيه للجمهوريين رأي مبدئي، عتيد، ومنذ وقت طويل، أعوام 56، 58، 67، قضية الشرق الأوسط حيث نبهوا إلى أن الشيوعية الدولية تستغل هذه القضية لمصلحتها، كما نبهوا العرب إلى ان طريق حل مشكلتهم ليس في الإتجاه للحرب، وإنهم إذا لم يقلعوا عن هذا الإتجاه الخاطيء فسيلقون مزيدا من ضياع أرضهم، ومزيدا من الهزائم.. وان عليهم ان يتجهوا إلى الحل السلمي، وليتفرغوا لبناء داخليتهم وفق المذهبية الإسلامية الواعية، فإن مشكلتهم الحقيقية ليست اسرائيل وإنما إسرائيل هي العرض الذي يشير إلى المرض، والمرض هو خراب داخليتهم حيث يعيشون على قشور الإسلام، وقشور الحضارة الغربية – وها هم بعد فوات الكثير، اتجهوا ممثلين في مصر إلى الحل السلمي – ومما أخرجناه عن هذه المشكلة في عام 1967، كتاب مشكلة الشرق الأوسط، وقد تابعنا معالجة هذه القضية بالعديد من الكتب آخرها كتابنا (السادات) فليرجع إليها من يشاء من القراء..