إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الجمهوري والمهاجر والأكتوبري

علاج المشاكل اليومية:


ان الجمهوريين قد ظلوا متصلين بحياة الشعب اليومية، ينزلون من الفكر الإسلامي الواعي لأرض الناس ما يعالج المشاكل العاجلة، العلاج الذي يعين الأفراد والمجتمع، على السير في الطريق الصاعد.. ومن ذلك، على سبيل المثال، مشروع (خطوة نحو الزواج في الإسلام) الذي يقدم حلا حاسما، وفوريا لمشكلة الزواج، وهو مستقى من الشريعة، ويقوم على مهر قدره جنيه فقط، وبلا أية تكاليف أخرى، وهو إنما أريد به أيضا تكريم المرأة بإعطائها شروط كرامة، وعزة.. وقد جاء في كتاب (خطوة نحو الزواج في الإسلام) عن هذا المشروع ما يلي: (العقد على مهر قدره جنيه واحد).. (تسليم الزوج زوجته والزوجة زوجها على حد سواء في نفس ليلة العقد.. دخول العروسين ببعضهما بملابسهما القديمة في حجرة مؤسسة بالأثاث القديم ومفروشة بالفرش القديم) ويعطي هذا المشروع الزوجة، مقابل تنازلها عن تكاليف الزواج، شروط كرامة بأن تكون العصمة بيدها كما هي بيد الرجل، والا يعدد الزوج عليها الا لضرورة، وذلك في حالة العقم والمرض الذي لا يشفي منه.. وألا يقع الطلاق الا بعد دخول الحكمين ومحاولة الإصلاح بين الزوجين.. ان هذا المشروع برز عام 1971 وجرت وفقه اكثر من سبعين زيجة على امتداد السودان شرقه وغربه، شماله ووسطه.. وفي مختلف المدن والقري.. وهو قد حسم أمر غلاء المهور، وتكاليف الزواج الباهظة بحفلاتها، ولهوها وانحرافاتها، ومع ذلك يواجه بصمت غريب من اجهزة الإعلام، في حين تتهافت هذه الأجهزة، وبعض المسئولين على تفخيم، وتضخيم بعض الصور الفاشلة، المفتقرة للثورية، والحزم، مما يجي من محاولات (الكورة) وكان آخر هذه المشاريع مشروع زواج جماعي في الجريف شرق وهو بعيد من المستوى ولا يحل المشكلة، ولا يقارن، بحال من الأحوال، بمشروع الجمهوريين اذ يشترط ان يدفع العريس مبلغ 400 جنيه!! لتدفع اللجنة من اجل إتمام الزواج من عندها مبلغ 500 جنيه أخرى!! وهذا وحده يهزم القضية ويجعلها تولد ميتة، إذ ليس بمقدور سواد الشبان توفير تكاليف المعيشة اليومية الا بصعوبة كبيرة خل عنك تدبير مبلغ 400 جنيه؟! ثم إلى أي مدى ستستطيع هذه اللجنة مواصلة دفع ال 500 جنيه؟ لن تستطيع مواصلة هذا المشوار، وهب أنها استطاعت فماذا يفعل الشباب على امتداد السودان الواسع؟! إن هذا المشروع ليس جادا، ولن يستمر، ثم هو قاصر على الجريف شرق، ومع ذلك ضخمته أجهزة الإعلام، من صحف وتلفزيون وشارك في حفل إحدى زيجاته الجماعية كثير من المسئولين؟!

المأتم:


وما يقال عن الزواج يقال عن المأتم فإن الجمهوريين قاموا فيه بثورة، فهم، نساء ورجالا، يلزمون الصبر، بل الرضا، فلا تسمع صوتا، بنواح، أو ولولة، ولا (لطم خدود، أو شق جيوب) كما هو حادث في المجتمع اليوم بلا استثناء حتى في بيوت من يدعون الدين، والعلم، والتصوف، ثم أن الجمهوريين يعمرون أيام العزاء بالقرآن، والذكر، والإنشاد العرفاني، والحديث الفكري.. ويقتصرون في أكلهم وشربهم على ما يكونون عليه في حياتهم اليومية، طبيخ بلا لحم، وكسرة ورغيف وشاي فقط!!
في حين نجد المجتمع يتفنن في هذه المناسبة بفاخر الطعام، والشراب، تفاخرا، وتنافسا، وهو يقضي أيام المأتم في غفلة تامة، وثرثرة، وقطيعة..

الأضحية!!


ومما بادر اليه الجمهوريون هو كشفهم للشعب من الدين، عن عدم وجوب الضحية لا على الأغنياء ولا على الفقراء، وقد استنكر هذا عليهم الفقهاء الجهلة، وشاركتهم بعض وسائل الإعلام بنشر جهالتهم هذه، ثم دارت الأيام وتصاعدت الأسعار، مما أصبح معه عمليا عدم قدرة الناس على الضحية، فجاء حديث المفتي الضعيف المربوك الذي زاد الناس بلبلة، إذ لم تكن الرؤية لديه واضحة، كما هي عند الجمهوريين استنادا على عمل النبي وعمل أكابر الصحابة الذين لم يضحوا لأن النبي ضحى عنهم، وعن الأمة جميعا، ثم هم يريدون للمجتمع ان يستقر فيه هذا الفهم السليم لأمر الضحية..
ومن الغريب أن جريدة الأيام هي التي كانت قد نشرت لفقهاء الشئون الدينية نقدا جاهلا ضد رأينا حول الضحية، ثم هي لم تنشر ردنا عليه، وها هي الآن، جريدة الأيام تدعي لنفسها ريادة ساحة التوعية عن أمر الضحية!!
لقد كتبت صفحة الشئون الدينية بجريدة الأيام بتاريخ 6/8/1980 تقول وهي تعني الجمهوريين: (لقد سمعنا أصواتا مرتفعة وأقلاما متحمسة تحاول من غير علم ولا دراية بالدين ولا معرفة بأصوله وقواعده، تحاول أن تهون من شأن صلاة التروايح كما حاولت من قبل أن تهون من شأن سنة الضحية)!! وقد رفضت (الأيام) نشر ردنا على تلك الجهالة.. فأخرجنا ردنا، في كتيب أسميناه (من هم العلماء. نحن أم هم؟؟) في حينه!!
وبعد مضي قرابة الأربعة أعوام جاءت الأيام لتهتم بأمر الضحية معتمدة على جهالة الفقهاء، الذين لم يضيفوا لمعلومات الناس شيئا جديدا وإنما زادوهم بلبلة وحيرة... ثم أن الأيام قد فاضت حياء وهي تذكر سبقها الصحفي في حملة التوعية بأمر الضحية فأسمع ماذا تقول بتاريخ 1/10/1982: (تلك المقدمة دفعنا اليها الحياء ونحن نريد أن نسجل إمتناع ثلاثة صحفيين وزوجاتهم عن ذبح الأضحية)!! هكذا، وهي التي بالأمس نشرت جهالة الشئون الدينية، ولم تخجل من مخالفة أبسط قواعد التقليد الصحفي الذي يلزم الجريدة بنشر دفاع الفرد عن نفسه ضد ما تكون قد سمحت بنشره عنه!! ثم أن الأيام التي تستحي وهي تفاخر بثلاثة صحفيين منها إمتنعوا عن الأضحية تجهل أن مئات الجمهوريين، منذ سنوات عديدة تجاوزت الست إمتنعوا عن الضحية ولكن بفهم سليم لعدم وجوبها دينيا وإعانة لشعبهم على تجاوز العادات الضارة!!
إننا لا نزال، ولن ننفك، إلى حين، عند شعارنا القديم: (الأعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم)!!

المرأة الداعية للدين!!


وأخيرا ألا يستلفت النظر، هذا الحدث الجليل، الذي يحني التاريخ هامته إجلالا، وتقديرا ليسجله؟! هذا الإنجاز الفريد الذي تفردت به الفكرة الجمهورية هو تقديم المرأة في القامة التي عليها الأخت الجمهورية من العلم، والدين، والسمت الرزين.. وهي تقوم جنبا إلى جنب مع أخيها الجمهوري بعبء الدعوة للدين في الشارع، وفي الجامعات، وحيث وجد الناس!! إنه عمل لم يسبق له مثيل في التاريخ، لا في الأديان ولا في الفلسفات!!