إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الكتاب الأول من سلسلة رسائل ومقالات

الأدب - رد على الأستاذ ميخائيل نعيمة


إسترعى إنتباهي حديث طريف معزو إلى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته .. أما ماهية الأدب عنده فهو المحيط الذي تنصب فيه، وتلتقي عنده، جميع المعارف البشرية: العلم، الدين، الفلسفة، الفنون إلخ.. أما مهمة الأدب فهي ((التعبير عن الإنسان، وكل حاجاته، وحالاته، تعبيرا جيدا، صادقا من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده، وأن يمهد له الطريق إلى نهايته)) أهـ. والحقيقة أن في هذا خلطا سببه أمران: التعصب للأدب، ((شأن كل ذي مهنة لمهنته)) وسطحية التفكير.. إذ، الأدب، في حقيقته، لا يبلغ هذا المبلغ، وإن كان يتجه إليه.. فالمسعاة الإنسانية كلها، في المعارف والعلوم تتجه إلى الإستزادة من الحياة لتحقيق حياة الفكر، وحياة الشعور.. فالمعارف وسائل، والحياة الخصبة، المحيطة – حياة الفكر الحر، والشعور المتيقظ – هي الغاية.. والأدب ليس خير الوسائل إلى تحقيق هذه الحياة، بل هو لا يمكن أن يفضي إليها، على الإطلاق، لأسباب!! منها الأدب لا يقدم أسلوبا للحياة، وإنما يقدم متاعا للفكر، بما يرصد من تجارب الأديب المنتج.. ومنها أن الأدب لا يعرف قوانين الحياة، ولا يتسع للتعبير عنها، حتى يستطيع أن يرشد إلى أسباب الإستزادة منها، ذلك بأن حياة الفكر، وحياة الشعور، لا تحقق إلا بالحياة، وفق قانون الحياة.. فالوسيلة التي تفضي إليها يجب أن تقدم من أول وهلة، أسلوبا للحياة، وأسلوبا للفكر، وفق قوانين الحياة العليا، حتى يستطيع الحي باتباع تلك الأساليب، أن يترقى من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا – حياة الفكر وحياة الشعور.. وأنت لا تجد وسيلة من وسائل المعارف البشرية غير الدين – الدين بوجه عام – والدين الإسلامي بوجه خاص، تقوم هذا المقام.. ذلك بأن أكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا – حياة الفكر والشعور – إنما هو الخوف.. ولا تتجه وسيلة إلى تحرير الفرد من الخوف إتجاها مليئا بالنجاح غير وسيلة الدين.. فإذا أخبرنا أديب أن الدين بمثابة ((جدول أو نهر)) يصب في محيط الأدب لم يكن ذلك الأديب إلا متعصبا للأدب، سطحي التفكير..
ويجب التنبيه إلى أن الشبه شديد بين الوسائل الإنسانية إلى تحقيق الحياة العليا التي هي وحدها الغاية من السعي البشري في هذا الكوكب، ولذلك صعب التمييز، وكثر الخلط.. ولهذا إهتم القرآن إهتماما بالغا أن ينفي من الأخلاد أنه شعر، أو أن محمدا شاعر، كما توهم المتوهمون..

جريدة صوت السودان 1954