إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الشيعة

نيل الشيعة من الخلفاء الراشدين في بيعة السقيفـة:


وتورط الشيعة في النيل من الخلفاء الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، بصورة من الغلو في العصبية المذهبية لجت بهم حتى تورطوا في النيل من الحفظ الإلهي لعلي بن أبي طالب، كرم الله وجهه ومن عصمة النبي، نفسه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من حيث أرادوا رفع قدرهما!! وأسوأ صور هذا النيل والقدح رأيهم في بيعة السقيفة..
أما الشيعة الإسماعيلية فيقولون، على لسان مصطفي غالب، في كتابه (الحركات الباطنية في الإسلام) صفحة 27:- (وهكذا نرى أن النبي قد أعلن صراحة أكثر من مرة أن الخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب.. (فبذلوا جميع إمكانياتهم لإبعاده عن سدة الخلافة، فكانت السقيفة، وكانت فدك، وكانت إهانة فاطمة الزهراء، فأعطي هؤلاء الدليل الناصع على أنهم لن ينسوا الماضي وأن في أعماقهم حنينا إلى دين الآباء والأجداد، وإلي الأخذ بالثأر والانتقام)!!
وأما الشيعة الإثنا عشرية فيقولون، على لسان عبد الحسين شرف الدين، في كتابه (النص والأجتهاد) المورد (1):
(استأثروا بالأمر يوم السقيفة متأولين نصوص لا يلوون علي شيء، وقد قضوا أمرهم بينهم بدون أن يأذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم) (ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمد صلى الله عليه وسلم مهما كلفهم الأمر).. وأشار إلى رجلين من الأنصار كانا في سقيفة بني ساعدة بقوله: (وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما) وقال عن علي: (قعد في بيته ساخطا مما فعلوه حتى أخرجوه كرها) وقال عن البيعة (وقد كانت بيعتهم فلتة، وقّى الله المسلمين شرها، كما زعموا، ولكن تلك الوقائع إنما كانت عي يد أمير المؤمنين بصبره علي الأذى، وغمضه علي القذى، وتضحيته حقه في سبيل حياة الإسلام).. وقال عبد الحسين شرف الدين في كتابه (المراجعات) صفحة 271: (وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة، وإنما قام بها الخليفة الثاني – عمر – وأبوعبيدة، ونفر معهما، ثم فاجأوا بها أهل الحل والعقد) وزعم أن البيعة لم يتم لها الاجماع بقوله: (فكيف يتم الإجماع مع تخلف هؤلاء كلهم، ومنهم آل محمد كافة)..
هذا ما يقول به الشيعة الإسماعيلية والإثناعشرية عن بيعة السقيفة – البيعة الأولى لأبي بكر الصديق.. فهم يصورون تلك البيعة على أنها ائتمار بين أبي بكر وعمر، وبعض الأصحاب على صرف الخلافة عن عليٍّ بن أبي طالب – مما يتنزه عنه هؤلاء الخلفاء، وهؤلاء الأصحاب تمام التنزه..
ونورد في البداية، ما حصل يوم السقيفة، من خطبة عمر ابن الخطاب التي أشار إليها عبد الحسين شرف الدين بقوله، في ذلك الموضع من الكتاب السالف: (وعمر يشهد بذلك – إن بيعة السقيفة كانت فلته وقّى الله شرها – على رؤوس الأشهاد في خطبة خطبها علي المنبر النبوي يوم الجمعة في أواخر خلافته، وقد طارت كل مطير، وأخرجها البخاري في صحيحه) – وذلك كما جاءت هذه الخطبة في كتاب (الصواعق المحرقة) للهيثمي، المتوفي سنة 974 هـ، صفحة 7، طبعة دار الطباعة المحمدية، الأزهر، القاهرة، رواية عن صحيح البخاري ومسلم:
(قد بلغني أن فلانا منكم يقول: لومات عمر بايعت فلانا، فإن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وأنها كذلك إلاّ أن الله وقّى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إن عليّا والزبير، ومن معهما، تخلفوا في بيت فاطمة، وتخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار.. فانطلقنا نؤمهم، حتى لقينا رجلين صالحين، فذكرا لنا الذي صنع القوم، قالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟؟ فقلنا نريد إخواننا من الأنصار، فقالا: لا عليكم ألاّ تقربوهم، واقضوا أمركم بينكم.. فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل.. فقلت: من هذا؟؟ قالوا: سعد ابن عبادة، فقلت: ما له؟؟ قالوا: وجع.. فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة منكم، تريدون أن تصرفونا عن الأمر.. فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحدة، وهو كان أحلم مني وأوقر.. فقال أبوبكر: على رسلك!! فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قالها، في بديهته، وأفضل، حتى سكت، فقال: أما بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب، نسبا، ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، أيهما شئتم.. وأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مقالة غيرها، ولئن والله أقدم فتضرب عنقي، ولا يقربني ذلك من إثم، أحبّ إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبوبكر.. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحلك، وعذيقها المرجب.. منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش.. وكثر اللقط، وارتفعت الأصوات، حتى خشيت الاختلاف، فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار.. أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد.. ) انتهى..
هذا ما حدث يوم السقيفة من خطبة عمر.. ولهذا الحدث دلالاته، وإشاراته العميقة.. وأولها ما أقر به الشيعة أنفسهم بقولهم: (اجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج) من حديث عبد الحسين شرف الدين في ذلك الموضع من كتابه (النص والاجتهاد).. فلو كان هناك نص من النبي، لا يتطرق إليه الشك، باستخلاف علي يومئذ لما اجتمع الأنصار في السقيفة لاختيار الخليفة من بينهم، بل لما كانت تلك المواجهة بينهم وبين المهاجرين في السقيفة حتى انتهت بالبيعة لأبي بكر.. بل لو كان هناك نص قاطع مستعلن لا يحتمل التأويل، باستخلاف علي يومئذ: (والخلافة عند الشيعة، كما سلف القول، منصب إلهي كالنبوة، وركن خامس ومحور تدور حوله الفرائض التكليفية) لكان المسلمون قد أجمعوا على العمل به، كما أجمعوا على العمل بسائر الفرائض والتكاليف والأحكام.. وكيف يتألب أصحابه علي كتمان وصيته، أو عصيان أمره، بين الجماعة المستفيضة من المسلمين، من غير أن ينكشف أمرهم، ولو بعد حين؟؟ وكيف تجتمع الأمة علي ضلالة بمجرد قبض النبي الكريم، وهو القائل: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)؟؟ ثم إن عليّا لم يحتج بنص أو عهد له من النبي بالخلافة على أبي بكر، وإنما قال، كما سلف: (يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية)، كما قال عند مبايعته لأبي بكر (ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددت علينا به).. ولو كان هناك نص نبوي له بالخلافة لكان أولى بأن يكون هو حجته القاطعة عليهم.. ولقد انعقد الاجتماع لبيعة أبي بكر، فلم يقف الأمر عند بيعة السقيفة التي كانت بيعة خاصة، وإنما بويع أبو بكر، في غدها، بيعة عامة، من سائر المهاجرين والأنصار.. وأما من تخلف من بيعته فقد بايعه بعد حين.. وذلك خلافا لما ذهب اليه الشيعة الإثنا عشرية بقولهم (كيف يتم الإجماع مع تخلف هؤلاء كلهم، ومنهم آل محمد كافة؟؟)..
وإذا كان هناك ائتمار مسبق بين هؤلاء الأصحاب، كما يزعم الشيعة، على صرف الخلافة عن عليٍّ، فلماذا أهاب بعضهم كعمر الروع، فأنكر قبض النبي، وذهب يتوعد من يظن قبضه بسوء المنقلب؟؟ وإذا كان هناك نص نبوي بخلافة عليٍّ من بعد النبي، يبلغ مبلغ (الفرائض التكليفية) "أو الركن الخامس في الدين، كما يزعم الشيعة، لدخل أيّ مسلم في العمل به بمجرد قبض النبي، فلم يمتنع علي بن أبي طالب على العباس، ولا عن أبي سفيان حينما طلبا، كل على حده، مبايعته ولما احتاج الأمر إلى شورى، أو إجماع؟؟
أما قول أبي بكر وعمر بأن بيعة السقيفة كانت (فلتة) وقّى الله شرها، فهو مما ينفي ائتمار أولئك الأصحاب على أمر الخلافة بأكثر مما يثبته.. فالقول بأنها (فلتة) يعني أنها لم تكن عن تدبير مسبق.. فقد اضطرهما إلى البت السريع في أمرها، قبل حصول المشورة الواسعة، اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة منهم.. ولو كان اجتماع السقيفة قد أسفر عما كان يريده الأنصار لكانت قد وقعت الفتنة، كما أشار عمر بقوله: (أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإمّا أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد).. وهكذا كانت بيعة السقيفة واجبا مباشرا يفرضه ذلك الظرف الدقيق، ولقد استشعر أبوبكر وعمر، ومن معهما من الأصحاب، ذلك الواجب فاضطلعوا به على خير الوجوه، فلم يكن الوقت ليسمح بأيِّ قدر من التلبث حتى يجتمع سائر المهاجرين والأنصار وآل البيت للشورى ثم إن البيعة قد وفقت إلى أن تجد صاحبها الحقيقي، وهو أبوبكر.. ولو قد سارت الأمور سيرها الطبيعي، فلم يكن اجتماع الأنصار في السقيفة، لكانت قد تحققت لبيعة أبي بكر المشورة الواسعة من الوهلة الأولى، ولما كانت الخلافة تذهب إلى غير أبي بكر.. وما نهى عمر عن تكرار مثل بيعة أبي بكر إلاّ لأن ظرفها الدقيق لن يتكرر، وإلاّ لأن رجلها المناسب، وهو أبوبكر، لن يتكرر، ولذلك قال: (وليس فيكم من تقطع اليه الأعناق مثل أبي بكر)، فخشي عمر أن يدّعى الناس مثل بيعة أبي بكر، بأهوائهم..
وفي الحقيقة، إنه لم يكن هناك نص مباشر من النبي باستخلاف أبي بكر، وإنما كانت هناك إشارة واضحة بهذا الاستخلاف تتجلّى، أكثر ما تتجلّى، كما سلف القول، في تقديمه للصلاة بالمسلمين.. ولما كانت هذه الإشارة الواضحة باستخلاف أبي بكر لا ترقى مرقى النص المباشر، وإنما هي تعتمد علي الفهم الصحيح للاستخلاف في أمر الدنيا، وفي أمر الدين، ولما كانت فجاءة الوفاة وهولها قد أذهلت المسلمين في البداية حتى عن استيقان تلك الوفاة، (وقد لا يكون المسلمون ينتظرون تلك الوفاة حتى يصرفوا تقديم أبي بكر في الصلاة إلى استخلافه بعد الوفاة) – احتاج المسلمون إلى من يذكرهم بأن خليفة رسول الله في أمر الدين هو خليفتهم في أمر الدنيا، أو كما قال عليٌّ: (رضيه رسول الله لديننا فكيف لا نرضاه لدنيانا؟؟)