لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الشيعة

ولاية عليٍّ والموالاة له:


أما إذا كان الشيعة يعنون بالنص على استخلاف عليّ بعد الرسول تلك الأحاديث النبوية التي تتحدث عن ولاية عليٍّ على المسلمين، مثل (عليٌّ مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي)، فإنهم بذلك، إنما يخلطون بين خلافة الرسالة، وخلافة النبوة.. وقد أسلفنا القول بأن الوقت قد كان لخلافة الرسالة، وقد كان صاحبها أبوبكر، ولذلك استقام له الأمر أما خلافة النبوة فلم يكن الوقت قد حان لها، ولذلك لم تستقم له خلافة الرسالة عندما ولِّيها بعد مقتل عثمان.. فولاية عليٍّ على المسلمين إنما كانت تعني خلافته عليهم، خلافة نبوة، لا خلافة رسالة.. وقول النبي في حديث الغدير: (فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه).. إنما يعني: من كنت مولاه بنبوتي، فعلي مولاه، بخلافة نبوتي.. أما موالاة المسلمين لعلي فهي الإقرار له بولاية النبوة (خلافة النبوة)، مما يقتضي حبه، وبره، ونصره على من عاداه فيما هو له.. ولقد فهم المسلمون من حديث الغدير أن ولاية عليٍّ عليهم إنما هي ولاية روحية، وبأن موالاتهم له هي الإقرار له بهذه الولاية الروحية، وحبه، وبره، ونصره.. ولذلك قال له عمر عقب حديث الغدير: (لقد بت يا أبا الحسن مولى كل مؤمن ومؤمنة) ولما سئل عمر عن مصدر إجلاله لعليٍّ قال (إنه مولاي)، فلم يرد على ذهن عامة المسلمين، يومئذ، فهم ولاية علي بن أبي طالب علي أنها استخلافه بعد النبي، وإلا لما اجتمعت الأنصار في السقيفة، ولما تنازعوا مع المهاجرين، ولما أجمعوا، جميعا، علي بيعة أبي بكر.. كما أن عليا لم يحتج، كما سلف، على أبي بكر بنص علي خلافته من النبي، ولو كان حديث الغدير يعني استخلافه بعد النبي دون أبي بكر لحاجه به، حيث لم يمض يومئذ علي حجة الوداع وقت طويل.. هو لم يحتج به إلاّ على معاوية فيما يرويه عبد الحسين شرف الدين في (المراجعات)، صفحة 205 بقوله (وقد ذكر الرواة أن عليّا جمع الناس في رحبة الكوفة أيام خلافته، وفيهم بقية من الأصحاب، ثم قال: (أنشد الله كل أمريء مسلم سمع رسول الله يقول: يوم غدير خم ما سمع إلاّ قام، فقام ثلاثون صحابيا، فيهم اثنا عشر بدريا، فشهدوا بحديث الغدير سماعا من رسول الله).. فكيف يشهد هؤلاء الصحابة بسماع هذا الحديث، ثم هم قد كانوا بايعوا أبا بكر، إذا كان هذا الحديث يعني، عندهم، استخلاف عليٍّ دون أبي بكر؟؟
ولقد ظهرت موالاة أبي بكر لعلي، وعرفانه بفضله في كثير من المواقف، كتزحزحه له عن مجلسه إلى جنب النبي، حتى قال النبي: (يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل) وظهرت موالاة أبي بكر لأهل البيت من موقفه الكريم من فاطمة بعد وفاة النبي حيث إنه، ومع استمساكه بوصية النبي المتعلقة بعصمته عن التوريث، قد ذهب يسترضيها ويتلطف بها، ويقدمها علي بنته، ويأسى لسخطها، كما سلف.. وفي الحقيقة، إن ذلك الموقف منه، والذي تأتّى به الحفظ لآل البيت من وراثة النبي، إنما هو الموالاة الحقيقية لآل البيت.. بل إن هذه الموالاة التي تقوم على العلم، وعلى الأدب، معا إنما هي صورة من التشيع الصحيح لآل البيت..
أما قول النبي: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وقوله: (والذي نفسي بيده، إن عليا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة) ونحوها من الأحاديث، إنما هي نبوءة بما سيتعرض له عليٌّ من عداوة، وخصومة، ولاسيما من أهل الشام، عندما يلي الأمر، وهي أيضا دعوة إلى مناصرته.. ومن تلك النبوءات نبوءته لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية) وقد قتل في صفين علي يدي أهل الشام..
ومن تلك النبوءات أيضا: (الخلافة ثلاثون عاما ثم تصير ملكا عضوضا)، مما يدل على أن خلافة الخلفاء الراشدين مرضي عنها.. والشيعة يروون تلك الأحاديث من باب التعريض بأبي بكر وعمر وعثمان، وهم يرون أن التشيع لعلي قد بدأ في حياة النبي (أعيان الشيعة للعاملي، الجزء الأول، صفحة 17 – طبعة دمشق 1363 هـ) مع إن أبا بكر وعمر وعثمان قد كانوا أكثر المسلمين موالاة لعلي، وبرا به، كما سلف.. والنبي إنما كان كثير التذكير للمسلمين بموالاة آل البيت لما كان يعلمه من صنوف الكيد، والتنكيل التي سيتعرضون لها علي يدي الأمويين والعباسيين، حيث يصير آل البيت هم حصن الدين، ومثابته..