لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل، شجاع، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة، والشرف ولا ينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا، في مستواه، فان المعجزات تجري على يديه، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده.. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار، فيما بعد، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام))

معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية - الكتاب الاول

menu search

الشيعة

نيل الشيعة من الخلفاء الراشدين في عدة مواقف، نيل من العصمة النبوية:


قال الشيخ عبد الحسين شرف الدين في كتابه: (النص والاجتهاد)، صفحة 86، وما بعدها: (استأثروا بالأمر يوم السقيفة متأوِّلي نصوص لا يلوون على شيء).. (ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمد مهما كلفهم الأمر فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه).. (وقد كان هذان – الأنصاريان – على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما) انتهى.. فالشيعة الإثنا عشرية يصورون بيعة أبي بكر على أنها تمت عن مؤامرة بين أبي بكر وعمر، وبعض الأصحاب!! وقد سلف في حديثنا عن بيعة السقيفة أن الموقف كان يقتضي هؤلاء الأصحاب التعجيل بعقد البيعة حتى لا يسفر إجتماع الأنصار في السقيفة عن فتنة، وأن البيعة، برغم أنها عقدت في تلك الظروف، إلاّ أنها قد ذهبت إلى صاحبها، وهو أبو بكر، وأن الإجماع قد تحقق لها.. فالشيعة إذ ينسبون أكابر الأصحاب إلى الكيد لصرف وصية، زعموها من النبي لعلي بالخلافة، وإذ ينسبون سائر الأصحاب إلى الإجماع على الضلالة، إنما ينال هؤلاء الشيعة، من حيث لا يريدون، من العصمة النبوية نفسها.. فأكابر الصحابة، كأبي بكر وعمر إنما هم ثمرة من ثمرات تربيته، فلا يجوز في حقهم هذا الصغار، ثم لا يجوز أن تكون حصيلة ذلك البعث المباشرة، عقب قبض النبي، ذلك الكيد المزعوم، مما يطعن في عصمة الرسالة نفسها، إذ تقتضي هذه العصمة أن تكون لهذه الرسالة خلافة راشدة، تحمل الناس على الجادة إلى حين، حتى يقضي الله في أمر هذه الرسالة، وفي خلافتها..
وقال عبد الحسين: (وما أن فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم أو التحريق عليهم)..
وأشار عبد الحسين إلى أن (تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي)، وذكر بعض مراجعه، ومنها كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة.. والرواية كما جاءت في مستهل هذا الكتاب تشير إلى أن عمر قد هدد بتحريق دار علي (وقد اجتمع فيها طلحة والزبير، وقلة من الأصحاب) متخلفين عن بيعة أبي بكر، فخرجوا فبايعوا إلاّ عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت ألاّ أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن... واتجه عمر إلى استكراه عليٍّ على البيعة فنهاه أبو بكر بقوله: (لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه).. ولم يبايع عليٌّ حتى توفيت فاطمة، فلما توفيت أرسل عليٌّ إلى أبي بكر – إلى نهاية الرواية كما أشرنا اليها آنفا.. أما تهديد عمر بتحريق الدار فله فيه مندوحة.. إذ أن الظرف الذي اقتضى بيعة السقيفة قد اقتضي أيضا، مثل هذا الموقف من عمر.. فماذا كان سيحدث لو أحدث الأنصار في السقيفة بيعة، وأحدث بعض المهاجرين في دار عليٍّ بيعة، وذهب بعض المهاجرين إلى بيعة أخرى، سوى الفتنة التي لا تبقي من هذا الدين شيئا، لا من كتابه، ولا من حديث رسوله، ولا من سيرة نبيه أو أصحابه..
وقال عبد الحسين في بعثة أسامة (ولولا الخليفة لأجمعوا يومئذ علي رد البعث).. (ولكن الخليفة أبى أن يجيبهم إلى عزل أسامة كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء البعث) انتهى.. فعبد الحسين قد كان يتحدث في معرض اتهامه للأصحاب بالتآمر على صرف الخلافة عن عليٍّ إذ قال: (وقد تعلم أنهم إنما قد تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش أخيرا ليحكموا قواعد سياستهم).. (أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وسلم) انتهى.. وفي الحقيقة إنهم لم يتوقفوا في البداية عن المضي في البعث إلاّ لمرض النبي حيث كان قد اشتد به حتى احتضر، ولا يعقل أن يمضوا في البعث على هذه الحالة.. ثم إن من تخلف منهم عن الجيش، في النهاية، وهو عمر، إنما تخلف بناء على رغبة الخليفة أبي بكر، استبقاء له للمشورة، وقد استأذن أسامة فيه، فأذن له.. ولكن عبد الحسين، ومن حيث لا يريد، قد أثبت لأبي بكر ما ينفي عنه كل تهمة بالكيد، لصرف الأمر عن عليٍّ، كان قد ألصقها به.. وذلك وهو يثبت له موقفه من إنفاذ بعثة أسامة، مما يدل على ثبوت قدمه في الاتباع، وفي إمضاء كل وصية أوصى بها النبي!! وإذا كان هناك ائتمار بين هؤلاء الأصحاب على (سياسة) كونوا لها (حزبا)، كما يلمح الشيعة، فلماذا يقف أبو بكر ذلك الموقف المخالف لسائرهم في بعثة أسامة، ثم في حرب الردة؟؟.. كل ما في الأمر أن عمر، وبعض الأصحاب كانوا يرون إلغاء البعث لمصلحة تثبيت قواعد الدولة الجديدة، وكانوا في هذا الرأي الذي تحوطه حسن النية مخطئين، فقيّض الله لهم أبا بكر ليردهم إلى صواب الرأي.. وكانوا في رأيهم بالكف عن حرب مانعي الزكاة على فهم خاطيء لنص من النصوص، فصححهم أبو بكر فيه، فحفظوا به - كما سلف القول..
ويقول عبد الحسين: (إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز وجل "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قل منه أو كثر، نصيبا مفروضا" وقوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" إلى آخر آيات المواريث، وكلها عامة تشمل الرسول فمن دونه من سائر البشر، فهي علي حد قوله تعالى "كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم..".. ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي، وكل مكلف من البشر لا فرق بينه وبينهم..) وأورد الآية عن زكريا (وإني خفت الموالي من ورائي، وكانت امرأتي عاقرا، فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضيا) وقال: (وبالجملة لا بد من حمل الإرث في هذه الآية علي إرث المال دون النبوة).. انتهى.. فالشيعة الإثنا عشرية يرون أن النبي يورث كما يورث سائر البشر، وأن آية المواريث تشمله كما تشمل سائر البشر، مثلها في ذلك مثل آية الصوم.. وقد سلف القول بأن النبي، كنبي، قد اختلفت شريعته (سنته) في المال عن شريعة الأمة، وأن آيته من كتاب الله هي (ويسألونك ماذا ينفقون!! قل العفو!!) لا آية (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، وتزكيهم بها)، وأنه لا يأكل الصدقة كما يأكلها سائر أفراد الأمة الماضية وهو القائل: (الصدقة أوساخ الناس، فهي لاتجوز لمحمد ولا لآل محمد).. وإنه مخصوص بصلاة الثلث الأخير من الليل كفرض عليه، بينما هي في حق الأمة ندب، لا فرض.. أما في الصوم، فقد زاد، على الصوم الشرعي، صوم المواصلة، وهو صوم ثلاثة أيام وليلتين وقد نهى الأمة الماضية عنه قائلا: (إني لست كأحدكم!! فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني). ومن أخلاق النبوة، وعصمتها، وكمالها، أنها لا تورث، وذلك بمقتضى العبودية، كما سلف القول.. أما زعمه بحمل الإرث في الآية المتعلقة بزكريا على إرث المال دون النبوة فينفيه ما أورده هو نفسه في كتاب (المراجعات) كما سلف، من حديث المنزلة، إذ قال عليٌّ للنبي: (ما أرث منك؟؟ قال: ما ورث الأنبياء من قبلي، كتاب ربهم وسنة نبيهم) وقد قلنا إنه إنما ورث علم النبوة من النبي.. وتسآءل عبد الحسين في صفحة 120 من كتابه (النص والاجتهاد): (فهل يمكن أن يكتم عليها أمرا يرجع إلى تكليفها الشرعي؟) – أي هل يمكن أن يكتم النبي عن فاطمة ذلك الحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة).. فهو إنما يتهم أبا بكر الصديق بانتحال الحديث!! وهو الصديق الذي عرف بالصدق وكان آية في الاتباع..
وتحت عنوان (إيذاء الزهراء) راح عبد الحسين في صفحة 129 من كتاب (النص والاجتهاد)، ينسب إلى أبي بكر إيذاء الزهراء باغضابها في مسألة الميراث، بقوله إن الأحاديث مثل (رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة سخطي) تدل (على امتناع وقوع كل من أذيتها وريبتها، وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله).. وقد أشرنا إلى أن أبا بكر إنما كان مواليا لفاطمة، تمام الموالاة، بموقفه من الميراث إذ هو قد جنبها أن ترث النبي، عصمة للنبي، وحفظا لها، وإلى أن رضا النبي إنما هو في هذا الحفظ لها، وإلى أن المقصود من رضاها وسخطها هو رضاها بحق وسخطها بحق.. وأبوبكر هو، نفسه الذي قال: (رأيت رسول الله خيم خيمة وهو متكيء على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: (معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي من والاهم، لا يحبهم إلاّ سعيد الجد، طيب المولد، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجد، رديء الولادة.) فكيف يروي أبو بكر هذا الحديث، بعد انتقال النبي، إذا كان هو، فعلا، قد آذى آل البيت؟؟
وقال عبد الحسين في كتابه: (النص والاجتهاد) صفحة 143 (فقال المتريثون في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في ولايته عن رسول الله، لا في افتراضها عليهم) وقال: (فكانوا معذورين في تريثهم بل مأجورين به) انتهى.. هذا مع إن مانعي الزكاة قد قالوا: (إنا والله لا نعطي أموالنا، إنما هي الجزية) فهم إنما أنكروا الزكاة وقد حاربهم أبو بكر على ذلك.. ولم يصدر منهم ما دل على منازعتهم لأبي بكر في استخلافه، فهم لم يتريثوا ارتيابا في خلافة أبي بكر.. وكيف كان سيؤول الحال لو لم يحاربهم أبوبكر؟؟ إن حرب الردة بحق، إنما هي بمثابة بعث ثان للإسلام، كما سلف..
أما قول عبد الحسين في أبي بكر في صفحة 93: (وكأن الرجل يملك الأمر عن مالكه!! فعهد به إلى من أراد، لا يخشى عقابا، ولا حسابا، ولا عتابا، وي.. وي.. كأنه نسي أو تناسى عهد النبي بالخلافة عنه إلى علي) وقوله عن عمر، في صفحة 306 (أو يعهد إلى عثمان بكل صراحة، كما عهد أبو بكر إليه فيكون حينئذ صريحا فيما يريد – غير مماكر ولا مداور).. وقوله عن عائشة في صفحة 315: (كانت كثيرا ما ترسل عنه، صلى الله عليه وسلم من الحديث ما لا يمكن أن يصح بوجه من الوجوه) انتهى.. هذه الأقوال، ونحوها مما يرد في المصادر الشيعية، إنما هي في الحقيقة، نيل من العصمة النبوية بقدر ما هي نيل من هذين الخليفتين الراشدين المهديين، ومن أم المؤمنين التي قال النبي عنها (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء).. وهو نيل يحبط العمل، ويمحق الدين، ويسلب المروءة.. وليس له مبعث سوى الإغراق في اللجاج، والغلو في الخصومة، والإسراف في البغضاء – وليس مع هذه النقائص خير يرجي، أو صلاح يقصد.. ونحن ما اضطررنا لإيراد هذه الأقوال إلاّ للدلالة على فساد العقيدة الشيعية، وإلاّ فهي، في حدِّ ذاتها، علي درجة من الإظلام تنقبض لها النفس، ويضيق الصدر، فعذرا لمن آذته..