عليٌّ وبنوه والخلافة:
لقد أجاز عليٌّ خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، كما سلف.. وعلى ذلك فقد صرح زيد بن علي بإجازة هذه الخلافة، كما سلف أيضا.. وأقر علي مبدأ الشورى كأساس للبيعة بالخلافة، فقال فيما نقلناه، آنفا، من كتابه إلى معاوية: (إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا) – (نهج البلاغة).. ولقد كان عليٌّ كارها للخلافة عقب مقتل عثمان، وقد جاء في خطبته عند مبايعته: (أنا رجل منكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم.. ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارها للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم عليَّ.. ذلك لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما وال ولِّي الأمر من بعدي أقيم على حد السراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله، وإن كان جائرا انتفض به السراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوى إلى النار) – ("نهج البلاغة" لابن أبي الحديد، المجلد الثاني، الجزء السابع، صفحة 171 المطبعة اليمنية 1326 هـ).. وكان قد رضي إجراء الشورى بينه وبين عثمان، فلما سأله عبد الرحمن بن عوف: (نبايع لك، ونعقد لك هذا الأمر على أن تحكم بكتاب الله، وسنة نبيه، وسنن الشيخين من بعده) قال: (اجتهد ولا آلو) فلما سأل ابن عوف عثمان قبل هذا العهد، فبايعه.. ثم إن عليا لم يستخلف أحدا من بعده، وقد سئل: ألا تستخلف علينا؟؟ فقال: (ما استخلف رسول الله فاستخلف، ولكن إن يرد الله للناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم.. ) روي أنه سئل هل يستخلف الحسن؟؟ فقال: لا آمركم ولا أنهاكم!! ولم يعرض الحسن نفسه للبيعة، ولم يتعرض لها، وإنما دعا إلى هذه البيعة قيس بن سعد بن عبادة، وقد اشترط الحسن على الناس أن يسمعوا، ويطيعوا، ويحاربوا من حارب، ويسالموا من سالم.. ولما نهض للحرب خذله أهل العراق، وقد قال لهم: ((أنتم أكرهتم أبي على التحكيم، ثم اختلفتم عليه، وخذلتموه.. وهؤلاء وجوهكم وأشرافكم يغدون على معاوية أو يكتبون إليه مبايعين، فلا تغروني عن ديني).. فاضطر إلى مصالحة معاوية، ومسالمته، وقد أسلم له الولاية، بشروط منها: (على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين على أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى) انتهى.. وفي صحيفة الصلح هذه إقرار، وإجازة لخلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان من الحسن!! ونقض معاوية الشرط، فدعا إلى بيعة ابنه يزيد، فجعل الخلافة ملكا.. فدعا الحسن أهل العراق إلى حقن الدماء بقوله: (فأرضو بقضاء الله، وسلموا الأمر، وألزموا بيوتكم، وأمسكوا، وكفوا أيديكم، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر!!).. ثم كان ما كان من أمر الحسين، حيث خذله أهل العراق، كما خذلوا أباه، وأخاه، حيث وقعت تلك الفاجعة المفجعة في كربلاء.. ولقد كان عليٌّ يعلم أن عهده هو خاتمة الخلافة الراشدة، وأن الأمر لا بد آيل إلى أهل الدنيا، ولكنه إنما أراد، بحربه، إلى جانب واجبه المباشر في رد الناكثين، والمقسطين، والمارقين، أن يضع الفيصل الفاصل بين عهد، وعهد، أو بين حق، وباطل.. وكذلك أراد الحسين!! ولذلك اتجه عليٌّ زين العابدين بن الحسين، واتجه ابنه محمد الباقر، وابنه جعفر الصادق، وسائر أئمة آل البيت إلى العمل الروحي في حفظ الدين، فلم ينازعوا السلطة الزمنية، ولم يتعرضوا لسلطان زمني.. أما زيد بن علي، وابنه يحي، وأعقاب الحسن الذين خرجوا علي الأمويين، والعباسيين، فلم يكن مصيرهم إلاّ مصير عليٍّ والحسين!! ذلك بأن الدولة كانت لأهل الدنيا، لا أهل الدين.. ولا تعود الدولة لأهل الدين إلاّ يوم يظهر الرجل الذي قال عنه النبي: (رجل من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا)، وهو ظاهر، كان على ربك حتما مقضيا..