المتعة والخمس:
وقد تأثر الفقه الشيعي بالعقائد الشيعية تأثيرا مباشرا.. فهم يستحلون المتعة، والزواج المنقطع، أو المؤقت، المحدد بمدة معينة.. ويرون أنه ليس هناك ما يدل على نسخه.. ("أصل الشيعة وأصولها"، محمد حسين آل كاشف الغطاء، صفحة 128)، مستندين على بقاء حكم الآية: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما.. )
وفي الحقيقة، إن زواج المتعة كان جائزا صدر الإسلام للضرورة ثم نسخ، وقد سمي بالمتعة لأن الغرض منه كان التمتع فحسب، لا إقامة الحياة الزوجية الطبيعية الدائمة.. والأصل في نسخ زواج المتعة ما رواه مسلم عن سيرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها) وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس إني كنت أذنت الاستمتاع ألا وإن الله حرمه إلى يوم القيامة!!).. وقال ابن عباس بحل المتعة للمضطر، ولكن شاع عنه حلها مطلقا، فقال له سعيد بن جبير: هل تدري ما صنعت، وقد سارت بفتياك الركبان فقال ابن عباس: انا لله، وانا اليه راجعون، والله ما بهذا افتيت، ولا أحللت إلاّ ما أحل الله للمضطرين الميتة، والدم ولحم الخنزير.. وما ينسب إلى ابن عباس عن جواز المتعة مطلقا فيما أخرجه مسلم إذ قال: (كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها) قد يكون مرده إلى أن ابن عباس لم يسمع بحديث نسخ المتعة.. أو أنه سمع بها فحرمها فلم يبحها إلاّ للمضطر، قولا بالرأي.. إذ أن الاضطرار، في الشريعة هو الخوف من هلاك النفس، بالموت الحسي، الماثل.. ولعل عمر بن الخطاب قد شهد في خلافته رجعة إلى استحلال المتعة فأعاد إعلان تحريمها، وتوعد من يقارفها.. فلم يأخذ الشيعة بتحريمها على اعتبار أنه تأويل من عمر النص ("النص والاجتهاد") لعبد الحسين شرف الدين).. ولعل الموقف المذهبي من عمر، عند الشيعة، هو الذي حملهم على استحلالها، مخالفة لرأي عمر، في ظنهم، خصوصا أنه قد كان في مقابلة رأي ابن عباس ابن عم علي!! وعلي أيّة حال، فإن الحكمة من الزواج في الإسلام وحدها كافية لنسخ المتعة، بأكثر مما هي محتاجة لأي نص أو رأي في هذا النسخ.. قال تعالى في حكمة الزواج: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).. ولا تتحقق هذه الحكمة، على خير وجوهها، إلاّ بديمومة العلاقة الزوجية.. كما أن ديمومة الحياة الزوجية مقصودة، في المقام الثاني لبناء مجتمع الأسرة الذي ينشأ فيه الأطفال، وتبذر فيه بذور القيم الإنسانية.. وقد قال النبي عن الطلاق: (إن الطلاق يهتز له عرش الرحمن)، وهو انفصال الزوجين الذي يقع نادرا، في الحياة الزوجية الدائمة، فكيف بزواج المتعة الذي يقوم أساسا على الانفصال المحتوم بين الزوجين؟؟ هذا إلى جانب ما في استحلال زواج المتعة، بعد نسخه، من امتهان للعلاقة بين الرجال والنساء، واعتبارها علاقة متعة مؤقتة تهبط بالقيمة الإنسانية لكليهما..
لم نرد إلى تتبع الفقه الشيعي عند الإمامية الإثني عشرية وهو فقه منسوب إلى الإمام جعفر الصادق (الفقه الجعفري) – (غير إننا نأخذ روايات مصادرهم، كالكليني، عن أئمة البيت بقدر كبير من التحفظ) وإنما أردنا الإشارة إلى تأثير المعتقدات الشيعية علي بعض جوانب هذا الفقه.. ولذلك فسنكتفي (بعد مسألة المتعة) بتناول مسألة الخمس عند الإثني عشرية.. والخمس عند الإمامية الإثني عشرية، واجب في كل فائدة تحصل للانسان من مكاسب الدنيا مستدلين بالآية: (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه، وللرسول، ولذي القربي، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل).. فالغنيمة عندهم لا تنصرف إلى غنيمة الحرب وحدها وإنما تتعداها إلى كل ما يغنمه الإنسان من مكاسب (عبد الحسين شرف الدين، "النص والاجتهاد" صفحة 113").. هذا مع ما صح من السيرة من أن الخمس كان متعلقا بغنيمة الحرب، لا بغيرها.. وقال عبد الحسين، في نفس الموضع من المصدر الآنف: (أما نحن الإمامية فنقسم الخمس ستة أسهم: لله تعالى ولرسوله سهمان وهذان مع السهم الثالث – سهم ذي القربى- للإمام القائم مقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والثلاثة الباقية لليتامى، والمساكين، وابن السبيل من آل محمد خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم، لأن الله سبحانه وتعالى حرم عليهم الصدقات، فعوضهم عنها بالخمس) انتهى..
فالشيعة الإمامية يرفضون عمل أبي بكر، في مسالة ميراث آل البيت، والقائم على ذلك الأصل الأصيل في السنة النبوية وهو عصمة النبي عن التوريث.. ثم يجعلون نصيب الرسول مستمرا "للإمام القائم مقام الرسول"! مع إن الرسول لا يقوم مقامه أحد!!