إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الوثائق تكشف التآمر الجنائي

الوثيقة الأولى:
نميري يحكم بالردة قبل المحاكمة!!



الأخ عوض، النيَّل، والأخت بدرية
سلام الله عليكم
آخر هوس الأخوان الجمهوريين هذا المكتوب الذي أرى بين سطوره "الردة بعينها" أرجو الاطلاع ومعكم الأخ بابكر سأجتمع بكم للتشاور في الأمر انشاء الله بعد أن تكونوا على استعداد

أخوكم في الله
جعفر محمد نميري
8 جمادى الأولى سنة 1304))

ومع تجاوزنا للخطأ اللغوي في عبارة (انشاء الله) حيث الصحيح أن تكتب هكذا: (ان شاء الله)، وللخطأ في التاريخ الهجري حيث الصحيح أن يكتب (1404 هـ)، (مما يدل على جهل خليفة المسلمين المزعوم)، يمكن أن نثبت توافر عناصر التآمر الجنائي لاغتيال الأستاذ محمود محمد طه وذلك بما يلي:-

1) هذه الوثيقة مكتوبة بعد حوالي خمسة شهور من اعلان قوانين سبتمبر 1983 الموافق لذي الحجة 1403 هـ وقد كان الأستاذ محمود حينئذ معتقلا، لموقف المعارضة الذي يقفه ضد نظام مايو، وقد تمثَّل هذا الموقف: في مطالبته بالمنابر الحرَّة، ومعارضته لبنك فيصل، ولاتفاقية التكامل، ثم في اتهامه رئيس جهاز أمن الدولة، والنائب الأول لرئيس الجمهورية بالتفريط في وحدة البلاد بإثارة الهوس الديني (انظر كتاب الجمهوريين "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة").. وفوق ذلك فإن الفكر الجمهوري بطبيعته إنما يتجه إلى البعث الإسلامي على أساس إعادة تربية وتوعية الشعب، لا بمجرد فرض القوانين كما اتجه نميري، وسدنته من الإخوان المسلمين، وأضرابهم، فالاتجاهان إذن متعارضان، فالأستاذ محمود ليس من الممكن أن يصمت عن معارضة اتجاه نميري، ونميري ما فرض تلك القوانين إلا لإرهاب الشعب وتصفية المعارضة. ولذلك أخذ يلوِّح بردَّة الأستاذ محمود في أحاديثه المختلفة، توطئة لارتكاب جريمته التي نفَّذها.. فالخصومة السياسية كانت مستولية على نميري تماما وهو يتهم الأستاذ محمود بالردة في هذه الوثيقة التي تكشف القصد الجنائي وراء هذا التآمر..
وعنصر القصد الجنائي قد توفَّر بمجرد أن حكم نميري على الجمهوريين، مسبقا، بالردة وهو في موقع التأثير الشديد، والتوجيه الملزم، فهو ما صنع تلك القوانين، وما شكَّل تلك المحاكم، وما نصَّب أولئك القضاة والمستشارين إلاَّ لممارسة تأثيره، وتنفيذ توجيهه. فهو هنا يوجِّه مستشاريه القانونيين توجيها صريحا بإعداد التدابير التي تضع حكمه المسبق بالردة موضع التنفيذ، وذلك بقوله: (سأجتمع بكم للتشاور في الأمر انشاء الله بعد أن تكونوا على استعداد) انتهى - فتدبير اغتيال الأستاذ محمود وارد بمجرد تدبير تهمة الردة ضده.. وقد دلَّت العجلة المتهافتة في الاجراءات، والضعف القانوني الذي اكتنف المحاكمة في كل مستوياتها، كما دلَّت مسارعة نميري بتأييد الحكم وتصديه بتلفيق قضية ردَّة جديدة، ثم مسارعته بالتفيذ رغم سيل الالتماسات والاستنكارات الذي واجهه في الداخل والخارج - دلَّ كل ذلك على وجود عناصر التآمر الجنائي مع سبق الإصرار والترصُّد!!

2) كيف يكون الحكم المسبق بهذه الجريمة (الردَّة) صادرا من رئيس الجمهورية، وهو الذي يتحكم في الهيئة القضائية، ثم ننتظر محاكمة عادلة، ولا ننتظر تآمراً جنائياً؟!

3) كيف يكون هناك حكم بالردة وهي جريمة غير منصوص عليها حتى في قانون العقوبات الجديد، وإنما اختلقت اختلاقاً بالتعسُّف في استخدام قانون أصول الأحكام القضائية الجديد (وهو نفسه غير دستوري) ما لم يكن هناك تآمر جنائي على الأستاذ محمود؟؟

4) كيف يكون هناك حكم بالردَّة، على أي أحد، من سلطة تعطِّل أحكاماً أساسية في الشريعة وتزيِّف سائرها؟ هل كانت سلطة مايو خلافة إسلامية، على رأسها خليفة راشد مؤتمن على حماية الدين، وتنفيذ أحكام الشرع، أم أنها سلطة علمانية، على رأسها طاغية مستبد بالحكم؟؟ هل قاتلت تلك السلطة الوثنيين لإدخالهم في الإسلام بمقتضى آية السيف: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، أم أن دستورها العلماني يوجب عليها (حماية الأديان السماوية وكريم المعتقدات) أي المعتقدات الوثنية؟! وهل قاتلت تلك السلطة أهل الكتاب (حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون) ولم تجعل لهم ولاية على المسلمين أم أنها حرَّفت الجزية فأسمتها (ضريبة التكافل الاجتماعي) واتخذت المسيحي نائبا لرئيس الجمهورية، ووزيرا، وقاضيا، ومشرِّعا؟ هل أقامت تلك السلطة قوامة الرجال على النساء (الرجال قوَّامون على النساء) في الحياة العامة وضربت الحجاب بين الرجال والنساء: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب)؟ أم أنها اتخذت المرأة وزيرة ومشرِّعة، ومستشارة قانونية لرئيس الجمهورية في القصر، وهي سافرة، ومختلطة؟؟ هل حرَّمت تلك السلطة الربا، أم أنها ظلت تقترض، وتسرف في الاقتراض، وتثقل كاهل الشعب بالقروض الربوية ذات الفائدة العالية.. إن سلطة مايو، في الحقيقة، ممعنة في العلمانية على طول المدى، ولم تكن قوانين سبتمبر 1983 إلاَّ تزييفا للشريعة وتضليلا للشعب.

5) ولماذا اتُّهم الأستاذ محمود بالردة بمجرد أن أخذ يشكِّل معارضة فعَّالة للنظام، مع أنه ظلَّ يدعو بدعوته، وعلى أوسع نطاق، طوال أربعة عشر عاما من عمر مايو، ولماذا تمَّ هذا الرجوع المفاجئ إلى الحكم الصادر عام 1968، وهو حكم غير دستوري إذ أنه صدر من محكمة شرعية موضوعها النظر في الأحوال الشخصية، فهي ليست ذات اختصاص، ولذلك لم يُحظ الحكم الصادر عنها بأية فرصة للتأييد، والتنفيذ، وقد شجبه الرأي العام السوداني في حينه، واعتبره كيدا سياسيا أملته الخصومة السياسية؟؟ لماذا هذا التحوُّل الفجائي، إن لم يكن وراءه تآمر جنائي بسبب الخصومة السياسية؟؟

6) وهل الحكم على الفكر - أي فكر - مكانه ساحات المحاكم، أم منابر الرأي؟؟ ولماذا لم يُعط الأستاذ محمود فرصة للحوار بينه وبين أولئك العلماء المزعومين، حتى يجد الشعب فرصة المقارنة الفكرية، لو لم يكن هناك تآمر جنائي وراء تلك المحاكمة المتهافتة، التي لم تستغرق سوى جلستين قصيرتين؟ هذا والمتآمرون يدركون أن للفكر الجمهوري جذوره في التراث الصوفي، وأن جوهر دعوته هو العودة إلى الطريق النبوي كما يدل على ذلك كتاب: (محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد)
إن كل عناصر التأمر الجنائي قد توافرت بمجرد ما أخذ نميري يلوِّح بحكم الردَّة ويوجِّه مستشاريه القانونيين والقضائيين بإعداده، كما تكشف هذه الوثيقة، وذلك قبل أن ينشر الجمهوريون منشورهم الذي تعرَّضوا بسببه للمحاكمة المباشرة، ومما يؤكد تآمر نميري وبطانته، ما جاء في حيثيات محكمة الاستئناف برئاسة فؤاد الأمين وعضوية المكاشفي وحاج نور في قضية الأستاذ صلاح المصباح، حيث زجَّت المحكمة باسم الأستاذ محمود بغير حق، وبغير عقل، وذلك بقولها: (بالإضافة إلى ذلك ترى المحكمة أن تصرُّف المتهم وما وُجد لديه من وثيقة يؤكد ارتباطه بجهات معادية للتوجُّه الإسلامي عامة، وبفئات من أهل البدعة والضلال الخارجين على الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أمثال محمود محمد طه) - جريدة الأيام 7/7/1984 - أليس في هذا القول استجابة من هذه المحكمة لقرار نميري الجائر (بردَّة الجمهوريين) والذي جاء في الوثيقة المنشورة آنفا؟