متن المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه هي محاضرتنا الثانية في مدينة بورتسودان.. وهي عن البعث الإسلامي.. إذ نحن دعاة تغيير.. نحن دعاة ثورة فكرية، وثورة اجتماعية، تحدث عن طريق الإسلام.. نحن دعاة بعث – بعث للأمة السودانية، وللأمم الإسلامية، وللأمم العالمية، إن شاء الله، على هدى الإسلام – الإسلام دين الفطرة.. وهذا يقتضي أن ننظر إلى الأمور بنظر عميق، وموضوعي، وهادي – نظر يرد الدين الإسلامي إلى أصله الأصيل الذي قيل عنه، ((الإسلام دين الفطرة))، في الحديث النبوي، أو، في القرآن، : ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)).. والدين الإسلامي، عندما تجتمع عنده البشرية كلها، يرتفع إلى مستوى الفطرة التي تلتقي فيها الإنسانية جميعها.. الناس، في مرحلة العقائد، لا يجتمعون، ((كل حزب بما لديهم فرحون)) فالنصارى مكتفين بما عندهم، واليهود مكتفين بما عندهم، والبوذيين، والوثنيين، وكل صاحب ملة، مهما كان لونه، ربنا أرضاه بملته وقال تعالى عنهم: ((كل حزب بما لديهم فرحون)).. ولكن الناس يجتمعون على الإسلام إذا تسامى الإسلام إلى المستوى الذي هو الفطرة.. الإسلام دين الفطرة – فطرة الله التي فطر الناس عليها.. وفي الحديث النبوي: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه)).. فإذا ارتفع الفكر الإسلامي إلى بعث الإسلام في مستوى الفطرة التي تلتقي فيها البشرية جميعها، أصفرها وأبيضها، وأحمرها، وأسودها، بصرف النظر عن أقاليمهم، وعن لغاتهم، وعن عناصرهم، الفطرة التي يلتقون فيها، من حيث أنهم ناس، فإن البشرية ستجتمع عليه من غير أدنى ريب.. والفطرة المعبر عنها بالإسلام دين الفطرة إنما هي القلب السليم، والعقل الصافي.. أكرر أن الفطرة إنما هي القلب السليم، والعقل الصافي.. ونحن البشر لم نختلف إلا لأن قلوبنا غير سليمة.. قلوبنا انقسمت، بالأحقاد، والضغائن، والطمع، والبغض.. وإلا لأن عقولنا غير صافية.. عقولنا كدرها الجهل، فافتكرنا أننا بعضنا أعداء بعض، بينما نحن، في الحقيقة، أبناء أم واحدة، وأب واحد.. نحن لآدم، ولحواء، في الأصل.. فإذا ما علمنا لا يمكن إلا أن نسالم بعضنا بعضا، وإلا أن نحب بعضنا بعضا، وإلا أن نعايش بعضنا بعضا..
البشرية في حاجة إلى التوحيد:
والمجتمع البشري، في اللحظة الحاضرة، يحتاج إلى الفكرة التي تحقق السلام في الأرض، تحقق أن يتعايش الناس في سلام مع بعض.. لأنه، بفضل الله، ثم بفضل المواصلات في التقدم الآلي الذي حدث، في السنوات الأخيرة بصورة خاصة، حيث أمكن للإنسان أن يصل بالآلة إلى القمر، هذه الآلة التي، في نقل المعلومات، وفي نقل البضائع، وفي نقل الناس، قد جعلت الكوكب الأرضي صغيرا جدا، حتى أن البشرية البتسكنه قد أصبحت بشرية متجاورة.. في الزمن الماضي ما كنا نعرف عن بعض شيء.. في الوقت الحاضر الناس بتحاربوا، في فيتنام، نحن، في السودان، بنتعاطف معاهم، ونعرف أخبارهم، في كل لحظة.. أصبحنا جيران.. البشرية، في هذا الكوكب، أصبحت تجاور بعض.. ولا بد ليها من أن تعيش بأخلاق الجيران.. لا يمكن للجيران أن يعيشوا وهم يجدعون بعضهم بالحجار.. لا بد من المهادنة، والسلام، ورعاية حسن الجوار.. البشرية، في اليوم الحاضر، في الكوكب كله، متوحدة، لكنها ما استطاعت أن توحد فكرها، وشعورها.. وليس للبشرية ملجأ، ولا فكر، ولا منهاج، به يتم توحيد فكرها وشعورها غير المنهاج الإسلامي..
وإلى الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية:
ونحن نعلم أن البشرية، في فلسفاتها المختلفة، قصرت عن أن تجمع بين الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية.. في الشرق حقق الناس، أو قل عندهم محاولات ليحققوا الاشتراكية.. ولكن الاشتراكية القائمة على النظام الماركسي مهزومة أمامها الحرية – ليست هنالك ديمقراطية في النظام الشيوعي.. في الغرب الناس محاولين يحققوا الديمقراطية، ولكن الاشتراكية مهزومة في هذا النظام.. ولذلك فلن يستطيع أي من هذين النظامين – لا في الشرق الشيوعي، ولا في الغرب الديمقراطي الرأسمالي – أن يوجد المدنية التي يمكن أن توحد الإنسانية، وتوجد السلام في الأرض.. نحن المسلمين نملك هذه الفكرة التي تجمع، في جهاز واحد، بين النظام الديمقراطي، والنظام الاشتراكي.. هذا الجمع هو ما عجزت عنه البشرية في طول صراعها.. وفي موقفها الحاضر هي تقف في مفترق الطرق.. البشرية كلها اليوم مهددة بأن تندلع فيها نار الحرب العالمية الثالثة.. فإذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة بأسلحة الدمار الرهيبة، المعروفة، في القوى النووية، والقوى الهايدروجينية يصبح فناء البشرية محقق، أو قل، على أيسر تقدير، فناء الحضارة.. الناس، في الوقت الحاضر، في سلام، ولكنه ليس بالسلام السليم، ليس بالسلام الصحيح، إنما البشرية من خوف الحرب في سلام، لأنها خايفة.. كل واحد من المعسكرين خايف إذا اندلعت الحرب، أنه سيخرج منها محطم.. وعلى التحقيق التجربة البشرية دلت على أنه، في الآونة الأخيرة، الحروب لا تحل مشكلة.. لا بد لحل المشاكل أن يكون عن طريق الرأي، والتفاوض.. حتى، زي ما تعلمون، حرب فيتنام استمرت عشر سنين، حرب إبادة عجيبة، ثم لم تستطع القوة الكبيرة فيها أن تخضع القوة الصغيرة، وإنما اضطروا، في آخر الأمر أن يجلسوا حول تربيزة المفاوضات، ليوجدوا السلام.. التجربة البشرية دلت على أن السلاح لا يحل مشكلة، وأنه لا بد من السلام، لكن السلام لا يمكن أن يكون اعتباطا، وبمجرد التمني.. السلام عمل في الفكر، وعمل في الخلق، وهذا ما تفتقده الفلسفات الاجتماعيات القائمة اليوم.. البشرية، منذ أن انتهت الحرب الأخيرة، لا هي في سلام، ولا هي في حرب.. وإنما السلام الذي نراه سببه الخوف من أسلحة الدمار الحديثة..