إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الميزان بين
محمود محمد طه
والأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف

الحرية الفردية المطلقة:


وتحت هذا العنوان أخذ السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية يقول: ((دار محمود كثيرا في كتبه على مبدأ الحرية الفردية المطلقة وركز عليه تركيزا شديدا جعله منطلقا منه ليقول عندما يسأل: لماذا لا تصلى؟ انى أصلي صلاة الاصالة...)) هذا زعم السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية . أولا، نحب أن نورد هنا ما جاء في كتاب (رسالة الصلاة) – صفحة 85 الطبعة السادسة، صفحة 47 الطبعة الأولى حول الحرية الفردية المطلقة:-
((والذين يدخلون في مراتب الشرائع الفردية، هم المسلمون حقا - هم الأحرار، الذي سبقت الإشارة إليهم، في هذا الحديث، حين قلنا إن الحر حرية فردية مطلقة، هو الذي استطاع أن يعيد وحدة الفكر، والقول، والعمل إلى بنيته. فأصبح يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة عمله إلا خيراً للناس، وبراً بهم، وبذلك يستطيع أن يعيش فوق قوانين الجماعة، لأنه ملزم نفسه بشريعته الفردية، وهي فوق مستوى الشريعة الجماعية، في التجويد، والإحسان، والبر، والتسامي..))
هذا ما جاء في كتاب (رسالة الصلاة) حول الحرية الفردية المطلقة، وهو لا يوحى بأى حال من الأحوال بأن الحرية الفردية المطلقة تعنى سقوط الصلاة، كما أراد السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أن يوحى... بل أن الحر حرية فردية مطلقة ملزم نفسه بتكليف أكبر من تكليف من هو ليس بحر حرية فردية مطلقة، ذلك بأن الحرية الفردية المطلقة هي العبودية، والعبودية هي التكليف الأصلي، في حين أن العبادة هي التكليف الفرعي- كما أسلفنا.
أما قول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية ((.. ليقول عندما يسأل: لماذا لا تصلى؟ انى أصلي صلاة الأصالة)) فتخريج خاطيء، اذ أن الحر حرية فردية مطلقة لا تسقط عنه الصلاة، بل إنما هو على صلاة هي الصلاة الحقيقية التي ما الصلاة الشرعية الا وسيلة إليها – كما أسلفنا.
وقال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية ((وقد أشار إلى مبدأ الحرية الفردية المطلقة الذي يراه في كتابه رسالة الصلاة صفحة 38 فيأخذ كل عابد مجود من الأمة الإسلامية المقبلة شريعته الفردية من الله بلا واسطة، فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه، ويكون، في كل أولئك، أصيلا، ويكون، في كل أولئك، متأسيا بالمعصوم في الاصالة وإنما يتم كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال توسيل المعصوم إلى ربه... ذلك لمن جود التقليد.. والى هذه الأصالة الاشارة بقوله تعالى ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة...))
هذا ما نقله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية من كتاب (رسالة الصلاة) – صفحة 78، 79 الطبعة السادسة، صفحة 38 الطبعة الأولى).. وهو نقل مبتور، لا يعطى تمام المعنى المراد، ذلك بأن تمام النص هو:
((لقد تحدثنا في آيات سورة (( والنجم)) التي أوردناها آنفا عن سدرة المنتهى، حيث تخلف جبريل عن المعصوم، وسار النبي بلا واسطة لحضرة الشهود الذاتي، لأن الشهود الذاتي لا يتم بواسطة، وقد كان تخلف جبريل عن النبي لأنه لا مقام له هناك، والنبي، الذي هو جبريلنا نحن، يرقى بنا إلى سدرة منتهى كل منا، ويقف هناك، كما وقف جبريل، بيد أنه إنما يقف لكمال تبليغه رسالته، ولكمال توسيله إلى ربه، حتى يتم اللقاء، بين العابد المجود وبين الله بلا واسطة. فيأخذ كل عابد مجود، من الأمة الإسلامية المقبلة، شريعته الفردية من الله بلا واسطة، فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه، ويكون، في كل أولئك، أصيلا، ويكون، في كل أولئك، متأسيا بالمعصوم في الأصالة.. وإنما يتم كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال توسيل المعصوم إلى ربه.. ذلك لمن جود التقليد. وإلى هذه الأصالة الإشارة بقوله تعالى (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)).)) هذا ما جاء في كتاب (رسالة الصلاة)...
ونحب أن يلاحظ القاريء هذه العبارات ((ويكون، في كل أولئك، أصيلا، ويكون، في كل أولئك، متأسيا بالمعصوم في الأصالة.. وإنما يتم كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال توسيل المعصوم إلى ربه.. ذلك لمن جود التقليد..)) والآن فما رأى السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فيما جاء هنا حول "التقليد" و"الأصالة" مما أغفله في تقريره؟؟
أما قوله ((ولو أن الله كان قد شرع للناس صوم أصالة وحج وأصالة وزكاة أصالة لبلغها المعصوم صلوات الله وسلامه عليه)) فقول لم يحالفه التوفيق.. فقد ورد في نفس صفحة 78 من (رسالة الصلاة) – الطبعة السادسة – ما يلي:
((فالنبي آتانا بلسان الشريعة - لسان المقال- أمرا بالتقليد، وآتانا بلسان الحقيقة - لسان الحال- أمرا بالأصالة.. ولا تكون الأصالة إلا بعد تجويد التقليد.. فالأصالة غاية من تقليدنا النبي، وليس التقليد غاية في ذاته))
هذا ما جاء في (رسالة الصلاة).. والقرآن يقول: "قل ان كنتم تحبون الله، فأتبعوني، يحببكم الله".. واتباع النبي إنما يكون باتباعه في أفعاله وأحواله، لا في أفعاله وحدها.. ويقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".. فالتأسى به إنما يكون في أفعاله، وأحواله أيضا.. وأفعاله، في العبادات، تجملها عبارته في دعوته الأمة إلى تقليده، حين قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".. تلك أفعاله، أما حاله فهي الأصالة، لا التقليد. والسبيل إلى الأصالة هو تقليد النبي في أفعاله، مع المعرفة بأن التقليد هو الوسيلة إلى الأصالة، وليس غاية في ذاته.. فالنبي عمدة تقليدنا بعمله، وهو عمدة أصالتنا بحاله..
وحول آية "ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.." قال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية ((ولو أنه نظر إلى هذه الآيات (46،47،48) من سورة المائدة نظرة كلية ولم يقطع جزءا من الآية الأخيرة لعرف كما عرفنا وعرف المفسرون السابقون أن الضمير في (منكم) عائد على الأمم الثلاث: أمة موسى، والنصارى، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما يستشهد لهذه قوله تعالى من نفس الآية 48 "ولو شاء لجعلكم أمة واحدة")..
هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، ولو نظر إلى الفقرة التالية لذلك السياق من كتاب (رسالة الصلاة) لما أحتاج إلى أن يذكرنا "بأن الضمير في (منكم) عائد إلى الأمم الثلاث".. فقد جاء في تلك الفقرة (صفحة 79 الطبعة السادسة، ص 38، 39 الطبعة الأولى) ما يلي: ((كون السياق أخبارا عن الأمم فهو واضح، ولكنه أخبار عن الأفراد أيضا، وهو في باب الفردية أدخل منه في باب الأممية (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)): لكل فرد منكم جعلنا (( شرعة)).. يعني شريعة، ((ومنهاجا)) يعني سنة. (( فشرعة ومنهاجا)).. يعني شريعة وحقيقة.. فشريعة العارف طرف من حقيقته، وهو فردي الحقيقة، فردي الشريعة، وشريعته الفردية فوق الشريعة العامة بما لا يقاس (( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)) يعني لجعلكم على شاكلة واحدة - والأمة هنا تعني الفرد.. قال تعالى (( إن إبراهيم كان أمة، قانتا لله، حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه، اجتباه وهداه إلى سراط مستقيم)) فأمة هنا تعني إماما يقتدى به))
هذا ما جاء في كتاب (رسالة الصلاة)، وهو ما لم يواصل السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية النقل منه، فقد بتر النص السابق له ليخرج تخريجا لو واصل النقل لما وجد اليه سبيلا. فقد جاء في هذه الفقرة التي نقلنا جزء منها الآن ((كون السياق أخبارا عن الأمم فهو واضح، ولكنه أخبار عن الأفراد أيضا، وهو في باب الفردية أدخل منه في باب الأممية.. )) وهو لو لم يبتر هذا النص لما جاز له أن أن يذكرنا بأن ((الضمير في (منكم) عائد على الأمم الثلاث: أمة موسى، والنصارى، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم..))
هذا ولن نتعرض بالرد على ما نسبه السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية إلى الأستاذ محمود محمد طه من أقوال سماعية، ذلك بأن ما نقله من كتبنا – كما رأينا- قد عمد فيه إلى البتر المخل والتخريج الخاطيء، فكيف بالأقوال السماعية؟!!
هذا ما جاء في تقرير السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية حول ((الصلاة)) و((الحرية الفردية المطلقة)).. ونحن نرجو أن يعيد قراءة كتاب “رسالة الصلاة”، فلعله أن يكون قد فاته من العلم بالصلاة شيء، ذلك بأن العلم بالصلاة لا يستقصى.. ونحيله، بخاصة، إلى الباب الأخير من الكتاب (كيف نعرج بصلاة التقليد إلى الأصالة) وهو بسبيل من كتابنا (تعلموا كيف تصلون) الذي خرج يعلم الناس الصلاة.. ويقول لهم: ((صلوا!! فانكم، اليوم، لا تصلون.. صلوا!! وأبتغوا ما الصلاة حرية بتأديته اليكم من فيوضات البركات الناميات، ولا تقنعوا منها بهذه المظاهر الجوفاء..)).. ويقول لهم، أيضا (صلوا!! وعلى هدى هذا "الكتاب" "تعلموا كيف تصلون" فانه، إنما أخرج ليبعث لكم الصلاة بعد أن قد ماتت..))
ونحب هنا أن ننقل ما جاء في خاتمة كتاب “رسالة الصلاة” حول قيمة الصلاة، وغاية الصلاة:
((أما بعد فهذه رسالة الصلاة.. تتحدث بإيجاز عن الصلاة في أدنى مستوياتها، حيث تكون عبادة لله، وفي أعلى مستوياتها، حيث تكون حياة عند الله.. وكل عبادة لله، إنما المراد منها أن تصير حياة لله، فإن قصرت عن ذلك فهي باطلة))
فما رأى السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية بالأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف في هذا العلم؟!!