إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الصلاة وسيلة وليست غاية

الشرائع الفردية



صلاة الأصالة


قلنا أن غاية الصلاة هي توحيد الذات البشرية وأنها وسيلة للرضا بالله فهل من يعرج بالصلاة إلى هذا المستوى، يستغنى عن الصلاة، أو تسقط عنه التكاليف كما يشيع عنا المغرضون؟!!
فأول ما يجب تقريره ان الصلاة لا تسقط من أحد وان التكاليف لا ترفع من السائر إلى الله، بل إن السائر كل ما زاد قرباً من الله كل ما زاد تكليفه على قاعدة الحديث الشريف ((أنا أعرفكم بالله وأخوفكم منه)) ولذلك فإن التكليف في هذا الطور يرتفع من التكليف الفرعي بالعبادة إلى التكليف الأصلي العبودية. وهنا يزيد التكليف ويتحدد فيصبح مسئولية فردية مباشرة أمام الله بعد ان كانت مسئوليتنا قبل أن نتأهل لها محمولة عننا بالواسطة، النبي الكريم. وهنا يصبح السائر إلى الله صاحب شريعة فردية خاصه به، بها يحقق فرديته التي لا يشابهه فيها أحد، والغاية من خلق الفرد هي أن يحقق فرديته هذه. ويحدثنا القرآن، ان الفردية هذه هي جوهر الأمر كله. وعليها يقوم التكليف والتشريف. ولذلك لا تقام موازين الحساب حين تقام إلا للأفراد. ولا نلاقى الله إلا فرادى ((ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)). ولذلك ففي حقيقة الدين كل فرد له شريعة فردية ليحقق بها فرديته التي لا يشابهه فيها أى فرد آخر ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً)) وما طلب منا تطبيق الشريعة الجماعية إلا لعجزنا وقصورنا عن تحمل مسئولية الشريعة الفردية، وهو عجز سببه الجهل وقد جاء تقليدنا للنبى الكريم بصورة من الحكمة واللطف لينقلنا من الجهل إلى علم اليقين. حتى إذا وصل بنا التقليد المتقن علم ((حق اليقين)) فأسلمنا نكون قد نضجنا لتحمل المسئولية الفردية، فيعطى السالك المجود الذي وصل هذا الطور يعطى شريعته الفردية فيأخذها عن الله من القرآن.

الصلاة لا تسقط عن عاقل


وهو في شريعته الفردية مصل. ولا تسقط عنه الصلاة ولكن يسقط عنه التقليد، وذلك لأن تقليده للنبي الكريم باتباعه في شريعته الفردية يكون قد وصّله للتأسّي بالنبي في كمال حاله. وحالة الكمال التي كان عليها النبي انه كان أصيلاً في صلاته، ولم يكن مقلداً فيها أحداً، وقد طلب منا التقليد في المرحلة، لنتقنه، حتى نصبح أصحاب شرائع فرديه فنتأسى بالنبي في أصالته وقد كانت الشرائع الفردية مقامات عالية لا يحصلها إلا الأنبياء، ولكن بظهور الحقيقة الأحمدية في سنة النبي –شريعته الخاصة - قد أصبحت الشريعة الفردية هي فرصة أي مقلد مجود من الأمه لان النبي الكريم قد كان رحمة للعالمين فيسر الطريق للمقامات. وقرب طريق العودة إلى الله. فالنبي بعد أن سار إلى الله حتى وصل إلى سدرة المنتهى، تخلف عنه جبريل، ووقف قائلاً ان هذا مقامه، ولو تقدم خطوة لاحترق. فتقدم النبي وحده وشاهد ذات الله واتصلت صلته به تعالى. وقال عن هذه الصلة المتصلة ((الصلاة صلة بين العبد وربه)). ومن هناك جاءنا بالمعراج إلى تلك المراقي مجسداً في الصلاة ((الصلاة معراج العبد إلى ربه)) وهو معراج يبدأ من تحت أقدام الانسان العادي البسيط، ويرتفع به مرحلة مرحلة في يسر وسرعة ولطف. فالنبي الذي وصل إلى مقام وقف دونه جبريل وهو أقرب الينا رسولاً من أنفسنا، هو جبريلنا الذي يدرجنا من بداياتنا العادية البسيطة حتى يوصلنا إلى مقام الفردية. وهذا هو مقامه العظيم الذي يجب أن يعرف له الآن فهو بين الخلق وبين الله بصورة توصلهم إلى الله ولا تحجبهم عنه او تنقطع بهم دونه. وبذلك أقيم مقام الوسيلة وقد اشتاق النبي الكريم لإخوانه أصحاب الشرائع الفردية هؤلاء فقال ((واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا أولسنا اخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا أولسنا اخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا من اخوانك يا رسول الله؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم!! قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم!! قالوا لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا)) وهذا الحديث وتعبيره مأخوذان من قوله تعالى في الآيات ((هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين* وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم* ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم))