إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الاخوان الجمهوريون في
جريدة الاهرام المصرية

حول ("الأخوان الجمهوريون" يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية)


السيد/ محرر صفحة "الفكر الديني" بصحيفة الأهرام
من عند الله تحية مباركة طيبة.
وبعد، فقد اطلعت في صفحتكم بعدد "الأهرام" الصادر بتاريخ الجمعة 16 ابريل 1976م على رسالة للأستاذ محمد عبد الله السمان تحت عنوان ((بلاغ الى من يعنيه الأمر.. "الأخوان الجمهوريون" يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية) تعرض فيها لكتاب ((الغرابة في الدعوة الإسلامية الجديدة)) الذي أصدره الاخوان الجمهوريون تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه بالسودان في سبتمبر 1975 وفيما يلي أقدم، وأنا أحد الأخوان الجمهوريين، تعقيبا قصيرا على رسالة الأستاذ السمان.. آملا أن يكون دأبنا جميعا الحوار الموضوعي، والأمانة العلمية، ونبل المقصد.. فإن الحديث في الدين إنما هو أمر يقتضي اصطناع الروية والتبين، واستشعار الأدب اللائق بالمقام.. والمسلمون، اليوم، مدعوون، أكثر من أي يوم مضى، الى أن يتدبروا امرهم، والى أن يحدثوا فيهم نهضة دينية شاملة، وذلك بتوسيع فرص الحوار فيما بينهم، وبفهم حقائق دينهم، في عصر العلم، والدقة العلمية، وبالنهوض الى مستوى تحديات الحياة المعاصرة التي اختلفت، من كل الوجوه، عن كل أطوار الحياة الماضية، اختلافا جذريا..
في البدء نحب أن نسجل للأستاذ السمان فضيلة لا يشاركه فيها سائر الذين تعرضوا لدعوتنا بالمعارضة، وهو أنه نقل من كتابنا نقلا أمينا، الى حد كبير.. غير أنه انتهى الى رأي عنا لا يعطيه اياه ما نقله عنا، بأية حال من الأحوال، فهو يتهمنا بأننا جماعة تنشر الهوس الديني، وبأننا جماعة ضالة مضلة. ومن حق القراء عليه، ومن حقنا عليه، بل ومن حق نفسه عليه أيضا، أن يحدد وجوه الخطأ في أقوالنا قبل أن يصدر علينا ما أصدر من حكم..
ها هو ينقل رأينا فيقول، على لساننا: ((ان القرآن ينقسم الى أصول، وفروع، أصول يمثلها القرآن المكي، وفروع يمثلها القرآن المدني، وهما: أي المكي والمدني – ليسا على مستوى واحد، وقد نسخ المدني المكي، مع أن المدني الناسخ هو قرآن الوصاية، والتمييز، والقصور.. وأن المكي المنسوخ هو قرآن الحرية، والمساواة والمسئولية)).
هذا ما نقله الأستاذ السمان عنا من غير أن يعقب عليه، فما هو رأيه فيما ذهبنا اليه من ان القرآن المكي، والقرآن المدني ليسا على مستوى واحد؟! وهو قول كان حقيقا بأن يوليه الأستاذ السمان كثيرا من انعام النظر، فإن عليه يقوم فهم جديد للإسلام له أبلغ الآثار على مستقبل حياتنا الدينية.. فاذا كان الأستاذ السمان يجد فرقا بين قوله تعالى: ((وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)) وبين قوله تعالى: ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله)) فهو الفرق بين القرآن المكي، والقرآن المدني.. وهو فرق واضح الدلالة، فعلى الأول تبدو سمات الاسماح، والحرية، وعلى الثاني تبدو سمات الاكراه والوصاية..
ويقول الأستاذ السمان عنا: ((وترفض هذه الجماعة مفهوم النسخ، لدي جمهور العلماء من المسلمين، لأنها تري أن نسخ الآيات يعني ارجاءها الى يوم تحتاجه البشرية فيه)) هذا ما قاله الأستاذ السمان عنا.. فهو لم يورد ما يدلل به على زعمه ببطلان رأينا في النسخ سوى اختلافنا مع "جمهور العلماء من المسلمين".. فما رأيه في قولنا بأن النسخ ليس سرمديا، وأنه لو كان سرمديا لكان أحسن ما في ديننا منسوخا بما هو دونه؟؟ فلا يمكن، عقلا، ولا دينا، أن تظل آيات الاسماح والحرية، في القرآن، منسوخة على طول المدى، بآيات الاكراه والوصاية، والا يكون للأولى عودة في حياتنا، لتبعث من جديد بعد نسخها، لا سيما وقد تهيأت البشرية المعاصرة لمستواها بالطاقة به والحاجة اليه..
والآن نعود الى عنوان رسالة الأستاذ السمان: (("الأخوان الجمهوريون" يتحدثون عن رسالة الإسلام الثانية))..
قال: ((لذلك ترى هذه الجماعة: صاحبة (الدعوة الإسلامية الجديدة) ان الإسلام رسالتان، قامت الأولى على آيات الفروع – أي في المدينة – وكانت شريعة لعامة الناس، وعليها جرى العمل، أما الثانية فقد انبنت على آيات الأصول – أي في مكة ولم يقم عليها تشريع عام، وانما عمل بها النبي في خاصة نفسه، وقد بلغها مجملة، وترك تفاصيلها الى يوم، يأذن الله فيه)).. ان هذا الذي نقله الأستاذ السمان عنا ليثير قضايا جديدة كل الجدة، وعلى قدر عظيم من الأهمية والحيوية.. ومع ذلك أغفله الأستاذ السمان، إغفالا تاما.. فما رأيه فيما ذهبنا اليه من أن الرسالة الثانية من الإسلام قد انبنت على آيات الأصول؟؟ وما رأيه في أن الرسالة الثانية من الإسلام هي السنة، والسنة هي عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، تمييزا لها عن الشريعة وهي التشريع الذي قام عليه عمل عامة الناس؟؟ كذلك فإن الأستاذ السمان لم يول قضية تطوير الشريعة الإسلامية التي طرحناها في كتابنا أدنى اهتمام.. فقد نقل عنا قولنا ((لا بد من تطوير الشريعة الإسلامية، وذلك بالانتقال من نص فرعي في القرآن – خدم غرضه حتى استنفده – الى نص أصلي مدخر في القرآن الى أن يجيء وقته)).. لقد تمنينا أن لو استحوذ أمر تطوير الشريعة الإسلامية على اهتمام الأستاذ السمان، وهو تطوير يقوم، كما سلف القول، على أصول القرآن، وعلى روح العصر..
أما ما نقله الأستاذ السمان عنا حول قضية المرأة فيقتضينا استطرادا قليلا في النقل من كتابنا حتى يأتي رأينا مكتمل الأطراف فقد قلنا هناك: ((فشهادة المرأة مثلا في الشريعة المطورة مساوية لشهادة الرجل، وما ذاك الا لأن نقصان شهادتها في شريعة الرسالة الاولى قد كان نتيجة لأسباب مرحلية مرتبطة بقلة تجربة المرأة التي كانت حبيسة جدران أربعة. وكذلك فإن القوامة على المرأة في الزواج تزول وذلك لزوال أسبابها المرحلية أيضا، يقول تعالى: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم)) فالقوامة هنا معلولة بالإنفاق، وبالتفضيل القائم الى حد كبير على قوة العضل، في مجتمع الفضيلة فيه للقوة، ولكن بقيام المجتمع الديمقراطي الاشتراكي، حيث تحال النفقة على الجماعة، وحيث تقوم دولة القانون، وتصبح الفضيلة للحق، فإن أسباب القوامة تزول وتصبح المرأة ولية نفسها، في الزواج، ويكون لها حق الطلاق كما هو لزوجها، ولا يعدد عليها الا لضرورة يحددها القانون)) هذا ما قلناه في كتابنا حول قضية المرأة، وهو ما لم نسمع فيه رأيا محددا من الأستاذ السمان..
ما رأيه في قولنا بأن القوامة معلولة بالإنفاق، وبالتفضيل القائم الى حد كبير على قوة العضل؟؟ وأنها تزول بزوال أسبابها تلك؟؟ لو قد تناول الأستاذ السمان حججنا، وأسانيد أقوالنا بالتفنيد والدحض، حجة حجة، وسندا سندا، لما احتجنا الى ان نرده الى ما نقله، هو عنا، على نحو ما فعلنا هنا.. وفي موضع آخر يذهب لينسب الينا أننا نري أن الرسالة الثانية من الإسلام هي مرحلة "علمانية الإسلام" وهو، نفسه، قد قال عنا في بداية رسالته ((أما ما تزعمه هذه الدعوة، فهو الدعوة الى الإسلام في مستواه العلمي)).. ولعله كان يقصد "علمية الإسلام"، لا "علمانية الإسلام".. فتعبير "علماني" يعني "لا ديني" وما الى هذا قصدنا، بالطبع، بل أننا قد قصدنا الى النقيض من ذلك تماما..
ويختتم الأستاذ السمان رسالته باستنفار الأزهر، ليصدر بيانا يحذر فيه من أفكارنا! ونحن نتمنى أن لو كان الأستاذ السمان، قد استنفر الأزهر ليواجه أفكارنا بالحوار الموضوعي، والنقاش العلمي بدلا من هذه الدعوة الى حسم الرأي باستصدار الفتاوى!
فنحن الأخوان الجمهوريين، لا نبتغي الا إجلاء وجه الحق، لنا أو علينا... ونحن لا نريد الا أن يلتقي الناس معنا على بينة أو يختلفوا معنا على بينة.. ونحن نزعم أن دعوتنا إنما هي الى الإسلام ليعود من جديد، لينظم حياة هذا المجتمع الكوكبي الجديدة.. وانما هي الى أحياء السنة النبوية ليسير الأفراد على نهجها في العبادة والسلوك وليستلهم التشريع الجماعي ما يطيقه، وما يحتاجه منها.. والغرابة في دعوتنا مدعاة صحة، أكثر منها مدعاة خطأ.. ألم يقل النبي الكريم: ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها!!) فالغرابة يجب أن تصاحب عودة الإسلام، وأحياء السنة.. وليس كل دعوة الى ذلك غريبة صحيحة، ولكن كل دعوة غريبة يجب أن تلقى من الدراسة الممحصة، والتثبت، والتلبث، ما يعصم الناس عن الحكم عليها بغير الحق.
هذا وللأستاذ السمان تحياتنا، وللسيد محرر صفحة "الفكر الديني" شكرنا وعلى الله قصد السبيل.
عوض الكريم موسى عبد اللطيف
ع/ الأخوان الجمهوريين
أم درمان – السودان في 19/4/1976
ص ب 1151
ت 56912