الفصل الاول
الشعب السوداني والوحدة الفكرية
أصالة الشعب السودان
لقد كان، ولا يزال، رأينا - نحن الإخوان الجمهوريين – في شعبنا السوداني، منذ نشأة حركتنا في الأربعينات، هو رأي الواثق، شديد الثقة، بأصالة طباعه، المتفائل، شديد التفاؤل، بمستقبله في ريادة القافلة البشرية. فقد قلنا إن الله قد حفظ لهذا الشعب من أصايل الطباع ما يجعله قبلة البشرية، بل نقطة التقاء اسباب الأرض بأسباب السماء، منذ اليوم!! قلنا ذلك عن علم، وعن يقين، لا عن عصبية، ورغبة في التمجيد الذاتي. وما فتيء شعبنا يوكد رأينا هذا فيه، يوما بعد يوم، فتزداد ثقتنا فيه، ويزداد تفاؤلنا بمستقبله، يوما بعد يوم.. ولقد احتفظ في أحلك الظروف بحسه الدقيق، ومقدرته على التماسك، واستجابته للتغيير.. وفوق كل أولئك، بصدقه الفذ. فإنه، برغم كل ما تعرض ويتعرض له من مؤثرات سلبية دخيلة عليه، يظل، دائما، صادقا، صادقا، صادقا، لا يعتور صدقه ريب.. ولذلك قلنا، مرارا عديدة، إن شعبنا لا تنقصه الأصالة وإنما تنقصه المعلومات الوافية، وقد تضافرت شتي العوامل لتحجبه عنها.. فهو لا تنقصه المقدرة على التطور، وإنما تنقصه المعرفة بطرائق التطور..
ثورة أكتوبر
لقد استطاع شعبنا أن يتوحد في ثورة أكتوبر 1964 وحدة عاطفية رائعة، فأستطاع، بقوة هذه الوحدة، وهو أعزل من السلاح، أن يطيح بنظام عسكري باطش.. ولقد كانت قوة شعبنا، يومئذ، قوة بلا عنف.. قوة استمدها من توحد الهدف، ومضاءة التصميم، مما شل وسائل العنف لدي خصمه.. وبذلك، برهن شعبنا، في تلك الثورة، على خطأ في النظرية الماركسية!! وهو ملازمة العنف للقوة أبدا في إحداث التغيير الاجتماعي الأساسي!! ففصلت ثورة أكتوبر العنف عن القوة، ولأول مرة في تاريخ الثورات، ليكون ذلك إرهاصا بعهد جديد تستقبل فيه البشرية قيمة اجتماعية جديدة، هي إمكانية التغيير الاجتماعي بغير عنف، مما يبرهن على مرحلية الماركسية، وعلى عجزها عن مواكبة مستقبل المجتمع البشري.. هذه القيمة السامقة قدمها شعبنا، فبلغ بها، درجة الأستاذية بين الشعوب!!
غير أن شعبنا، في ثورة أكتوبر، قد توحد وحدة عاطفية، ولم تكن يومئذ أسباب الوحدة الفكرية مواتية له.. فقد كانت لديه الرغبة في التغيير، ولكنه لم يكن يملك المعرفة بوسيلة التغيير.. ولذلك استطاعت الطائفية أن تئد مكاسب أكتوبر مكسبا، مكسبا.. فضربت أول ما ضربت تلك الوحدة العاطفية التي استمد منها شعبنا قوته في الثورة، وعادت الطائفية من جديد، تفرقه أحزابا مقتتلة على السلطة..
ومن أجل ذلك اتجهنا – نحن الإخوان الجمهوريين – منذ نشأة حركتنا إلى توعية شعبنا، ودعونا إبان ثورة اكتوبر إلى الوحدة الفكرية التي تشفع الوحدة العاطفية، فيملك شعبنا، إلى الرغبة في التغيير، المعرفة بوسيلة التغيّير..