لقاء الأستاذ محمود محمد طه بمندوبي صحيفة القبس الكويتية
منزل الأستاذ محمود - مدينة المهدية - مايو 1981
الصحفي: القبس الكويتية ، أزهر الخفاجي ، بدنا يا أستاذنا نعرف فكرة عن الجمهوريين – متى أنشأت وفلسفة الأخوان الجمهوريين؟
الأستاذ: الفكرة الجمهورية بدأت في منتصف الأربعينات - في أكتوبر عام 1945، وده بأرخ برضه بداية الأحزاب السياسية في الحركة الوطنية عندنا .. وقتها بطبيعة الحال البلد مستعمر والإنجليز والمصريين شركاء في لاستعمار .. والحركة الوطنية كانت قبل الأربعينات بتتحرك من داخل ما كان معروف بمؤتمر الخريجين العام ، نشأ في سنة 1938، واستمر .. لكن كانت الصراعات السياسية بتحتدم في داخل مؤتمر الخريجين العام أساساً حول قطبين: السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي المرغني، السيد علي المرغني زعيم الطائفة الختمية، والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار. فكان الصراع داخل مؤتمر الخريجين للكسب لكراسي المؤتمر بتدور حول القطبين ديل .. وبعدين ، لملابسات الإنجليز هم الحفزوها بسرعة، الإنجليز ما كانوا بيعترفوا بأنه الخريجين يمكن أن يتكلموا في مصير البلد سياسياً .. وكان في سنة 1942 نشأ بين الحلفاء الخمسة الكبار ما سُمّي بوثيقة الأطلنطي وكانت بتعد الناس اللي تعاونوا مع الحلفاء في الحرب عندما تنتهي الحرب أن يكون عندهم حق تقرير مصيرهم .. فالسودانيين من داخل مؤتمر الخريجين طالبوا بالحق ده، والإنجليز رفضوا أن يسمعوا لمؤتمر الخريجين يتكلم في السياسة .. مؤتمر الخريجين مؤتمر موظفين دا ممكن يعمل في المسائل العامة، والسياسة يتكلموا عنها - مصير البلد يتكلموا عنه - الزعماء الطائفيين وزعماء العشائر .. فمن هنا نشأ الوضع السياسي خرجت الأحزاب من داخل المؤتمر وخلّوا المؤتمر ليكون للمسائل التعليمية والمسائل الإجتماعية زي ما كانوا الإنجليز عايزنه، لكن نشأت الأحزاب .. لما نشأت الأحزاب بس برزت من داخل مؤتمر الخريجين برضها حول القطبين ديل، وكان عندنا أحزاب إتحادية عديدة وأحزاب استقلالية .. طائفة الأنصار كانت بتطالب بأنه السودان يكون للسودانيين وطائفة الختمية بتطالب أن يكون في اتحاد مع مصر.. الاثنين مجمعين على أنه الاستقرار السياسي بجي عن طريق راس دستوري ملكي - يكون في ملك .. فالاتحادين عايزين تاج فاروق - السودان يكون عنده نوع من الاتحاد مع مصر تحت تاج الملك فاروق .. والاستقلالين كانوا بميلوا للانفصال من مصر لكن بيتهموا بأنهم عايزين يعملوا تاج محلّي زي تاج الأمير عبد الله في شرق الأردن تحت اشراف الإنجليز .. فكانوا اتحادين واستقلاليين بالصورة دي .. في الوقت داك نشأ الحزب الجمهوري يقول مافي داعي للملكية أصله، ما في داعي للتبعية لمصر ولا لبقاء الإنجليز وإنما المسألة ترجع إلى الشعب في حكم جمهوري عام، فنشأ الحزب الجمهوري .. وبعدين الحزب الجمهوري كانت برضه فلسفته تقوم على الإسلام، أنه الناس أمرهم ما بنصلح ولا في السودان ولا في الخارج إلا عن طريق الدين لأنه الأزمة العالمية أزمة أخلاق أزمة قيم، لكن على أن يُفهم الدين فهم يختلف عما يفهموه الأزهريين والرجال التقليديين.
الصحفي: ما الطريقة؟ طريقة هذا الفهم
الأستاذ: طريقة هذا الفهم هو الدخول في الدين بصورة تطبيقية موش دراسية .. الدين موش دين دراسة ، دين ممارسة .. الناس يعيشوه عبادة تنعكس في المعامله، بالصدق ده الإنسان بقدر يصل لجوهر الدين ، يقدر يتكلم عنه .. على أي حال في الوقت داك نحن قلنا أنه الحركة الوطنية مفتقرة لشيئين: مفتقرة للحماس الوطني في مواجهة الاستعمار ومفتقرة للفكر السياسي ، لأنه التكتلات دي لمّا مشت حول السيدين ما أصبحت بترفع مذاهب وفلسفات مدروسة إنما هو تكتل - تكتل الناس حول ... وتستعد للمعركة البتجي بالوزن البتحمله الكثرة العددية دي .. نحن قلنا في الوقت داك ، نحن ما بنملك تفاصيل الفكرة ، نحن شاعرين بأنه لابد من الدين ، على أن يكون دين غير النحن بنشوفوه عند الأزهر ولا الناس السلفيين من قضاة ومعلمين دين، وإنما دين يرجع إلى جوهر الفكر الإسلامي ويبعثه زي ما انبعث في مكة في أول النهضة وأول الثورة الدينية اللي جاء بيها النبي في مكّة .. "لا إله إلا الله" تعاش من جديد وترفع إلى مستوى، ده نحن قلنا ما بنملكوا في الوقت الحاضر لكننا بنملك نواجه الاستعمار بحماس .. وفعلا الحزب الجمهوري واجه الاستعمار بحماس شديد لغاية ما اعتقلوا بعضنا وسُجنّا .. نحن أول سجناء الحركة السياسية - ده سنة 1946.. بعدين الإنجليز كانوا بمشوا مع أصدقائهم من ناس حزب الأمة ليطوروا أجهزة ديموقراطية من داخل البلد ، ليرفعوها برضه في وجه المصريين - أنه السودانيين بيتولوا أمور أنفسهم ، فكان في حاجة إسمها "المجلس الاستشاري لشمال السودان" ، وقائم على أسس وعنده وزراء بيشاركوا فيها السودانيين الإنجليز .. وفعلا ناس حزب الأمة أو الاستقلاليين قدّموا وزرا في النظام ده .. الاتحاديين رفضوه .. بعدين الاتحاديين مشوا لمصر، وبقوا يكافحوا من هناك أوائل نشأة الأمم المتحدة، وكانوا ناس النقراشي بيتكلموا بإسم السودان، وقتها في ليك سكسيس Lake Success والسودانيين قاعدين معاهم في الفنادق المصرية ، وهنا ديل متعاونين مع الإنجليز.. المجلس الإستشاري زي أصبح ميّت، فقاموا الإنجليز عملوا حاجة إسمها "الجمعية التشريعية" برضها عندها وزراء وعندها كده، لكن المرّة دي ما ميّزوا شمال السودان عن جنوبه .. المجلس الإستشاري لشمال السودان كان متهم بأنه عايز يفصل الجنوب، وده من أكتر الأشياء القتلته .. وعملوا الجمعية التشريعية، عامة ، لكن برضه الإتحاديين مقاطعنّها ، لكن المصريين اقترحوا على الاتحاديين إنه يجوا راجعين للسودان ليواجهوا - المقاطعة تكون فعّالة موش سلبية .. وفعلا جاء وبدو السجناء منهم سنة 1948. نحن في السجن حاولنا أن نطوّر الفكرة .. بدا لينا أنه فراغ الحماس انملا لأنه أصبحوا في سجناء سياسيين كتيرين .. مشينا في الفكرة لي خمسة سنوات .. في الخمسة سنوات بدأ تقعيد وتبويب والتأليف في الفكرة الجمهورية ، وهي قائمة على أصول الدين .. على فهم جديد للقرآن ، يبعث الشريعة في مستوى يحل مشكلة الإنسان المعاصر، اللي هي مشكلة تختلف من جميع الوجوه عن مشكلة الإنسان في القرن السابع .. وده اقتضى أن يُقال أنه القرآن مستويين: مستوى نزل في مكة في بداية الأمر، 13 سنة، لم يُستجب له ، وأُمر النبي بالهجرة إلى المدينة .. بدا ينزل القرآن المدني ، نسخ القرآن المكي، وبدا العمل في التشريغ بالقرآن المدني .. فنحن ما بنعتقد أنه النسخ ده نهائي، لأنه القرآن المكي أرفع مافي القرآن هو قرآن أصول، قرآن مسؤلية، قرآن حرية، "وقل الحق من ربكم فمن شاء أن يؤمن ومن شاء فليكفر" في مقابلة "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" .. فده ما ممكن يُنسخ بدون حكمة .. الحكمة في نسخة أنه القرآن المدني بناسب المجتمع في القرن السابع ، وهو أفضل ليهو وعملي فقام عليه التشريع .. نحن هسع دعاة إلى بعث الإسلام على مستوى القرآن المكي.
الصحفي: نأخذ بالسور المكية فقط ونتبعها...
الأستاذ: القرآن كله موجود .. لأنه قبيلك لما كنا بنشرّع على مستوى القرآن المدني، القرآن المكي موجود يُتبعد بيهو ويُتعلم منه ويُقرأ للبركة ويُقرأ في الصلاة .. راح يظل المصحف زي ماهو المصحف، فالقرآن المكي موجود والقرآن المدني موجود بين دفّتي المصحف يُقرأ ويفسّر، ويدرس ويتعبد بيهو لكن الشريعة زي ما حصل في الأول مع وجود القرآن المكي، القرآن المكي أُعتبر ماهو معتمد في الشريعة، منسوخ في الشريعة.
الصحفي: كان عقيدة .. السور المكية كلها ..
الأستاذ: راح يظل، القرآن راح يظل كده، يعني المكي والمدني راح يظل عقيدة ويظل للدراسة، ويظل للتعبّد والتبرّك.. لكن الشريعة الكانت نسخت القرآن المكي ، لأنه أعلى من مستويات الناس وأكبر من حاجاتهم ، نسخته لتنزل لمستوى الناس .. في الوقت الحاضر القرآن المكي يكون هو العمدة بتاعت التقنين، تشريعنا يعتمد على القرآن المكي الكان قبيل منسوخ، مثلا ...
الصحفي: إذا اعترض مع المدني ؟
الأستاذ: ما بكون ناسخ .. يعني قبيلك لمن اعترض المكي مع المدني، المكي أصبح منسوخ، هسع بيعترض القرآن المكي مع المدني، المدني يصبح منسوخ، لأنه النسخ قبيل الحكمة فيهو أنه النزول لحاجة الناس وحل مشكلة الناس، فلمن جاء القرآن المكي جاء يقول "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وجا ليقول "فذكر إنما أنت مذّكر، لست عليهم بمسيطر" ا.. لقرآن ده لما استمر 13 سنة ما أُستجيب ليهو جاء القرآن المدني .. القرآن المدني نسخ ده طوّالي ، متروك هو للعبادة وللتأمل وللعقيدة ولكل حاجة، لكنه منسوخ في حق الشريعة، فجاء "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" .. بعد ما كان النبي منهي عن القتال أُمر بالقتال، أصبح في حق الشريعة القرآن المكي منسوخ .. الحاجة النحن عايزنها هسع في حق الشريعة ، القرآن المدني يصبح منسوخ.
الصحفي: عفواً، أنا أرجو أنك تقبل، لأنه نحن لازم نتحاور ...
الأستاذ: أيوه نعم..
الصحفي: النسخ الأول جاء من الله سبحانه وتعالى، كيف الآن، منو اللي يعطي لنفسه الحرية والصلاحية أنه يعتبر المدني منسوخ، ويرفع المكي؟
الأستاذ: ماهو، الأمور كلها بتجي من الله لو نحن استعدينا لاستقبال أمر الله .. القرآن ما كلام الله لينا، ما يمنعنا من فهمه إلا عدم استعدادنا .. فلو نحن دخلنا في التهيؤ ليهو ، لو نضّفنا مواعينا، قال فيه "واتقوا الله ويعلمكم الله"، يبقى الله هو البعلمنا ما نتكلم بيهو في أمر نسخ أمر كان منسوخ قبيل.