الأستاذ محمود: بسم الله الرحمن الرحيم.. حديثنا في الحلقة الثانية من مهرجان الحزب الجمهوري في الحقوق الأساسية، عن الموقف السياسي الحاضر والحقوق الاساسية والموقف السياسي الحاضر أمر ما فيه شئ غريب عن مألوف الناس وهو عجز السودانيين عن أن يحكموا أنفسهم.. ما فيه شئ جديد في الصورة دي لأنه من بداية العهد الوطني زي ما قلنا مرات كثيرة ظهر عجز السودانيين عن أن يحكموا أنفسهم حكم رشيد.. إذا كان في شئ جديد في الأمر دا هو أنه عجز الزعماء في أن يحكموا الشعب ويحققوا للشعب تطلعاته المنتظرها من الإستقلال ومن الحرية، عجزهم جعلهم يُسرعوا ليحموا أنفسهم بما سمي الدستور الإسلامي.. العجلة ال نحن شايفنها لتمرير ما سمي بالدستور الإسلامي هي في الحقيقة محاولة لأن يغطي زعماء البلد فشلهم في حكم البلد بصورة من القداسة.. العجلة دي أنا أفتكر هي الأمر الجديد.
الجمهوريين عندهم شعار هنا، أنا أفتكر دا بيلخص الموقف.. آفة هذا البلد أن الجهل حاكم.. ومرات كثيرة عندما اتكلمنا ونقدنا مسألة عجز السودانيين عن أن يحكموا أنفسهم قلنا مافي داعي أن تكون في مرارة في نقدنا نحن لزعماء البلد في أن يحكموا البلد حكم صالح لأنك يمكن أن تقبل الوضع دا على إعتبار أن الحركة الوطنية من أول أمرها ما إتجهت ليكون فيها ثورة، تمحيص، مواجهة، لتعلِم الشعب وتعلِم زعماء الشعب.. ومرات كثيرة برضو في كلامنا عن المواقف السياسية كنا بنقول أنه إذا كان الحركة السياسية في الثلاثينات والأربعينات ومنتصف الخمسينات لغاية ما خرج الإستعمار لغاية نهاية سنة خمسة وخمسين حيث أخذ البلد إستقلاله في أول سنة ستة وخمسين، إذا كانت الحركة الوطنية في المدى دا كلو ما أعطت السودانيين شعب وزعماء فرصة ليتعلموا من مواجهة الإستعمار المواجهة الصريحة، اصبح كأنما السودانيين قادة وشعب بتعلموا أثناء الحكم الوطني.. أنا أفتكر إذا كان نحن نظرنا للقضية بالصورة دي، في أثناء الحكم الوطني نحن بنحصل ما فاتنا في مراحل مواجهة الحركة الوطنية للإستعمار.. حركتنا الوطنية ما كانت مواجهة للإستعمار لأسباب أبديناها كثير عندما قلنا أنه مثلاً بلدنا كان واقع تحت إستعمار فريد من نوعه، اللي هو الإستعمار الثنائي، دولتين مستعمِرات كانن للسودان.
إتفق أنه الحركة الوطنية برضو كانت فيها الثنائية بمعنى أنه كانوا في ناس مع الحاكم المصري أو المستعمر المصري وفي ناس كانوا مع المستعمر البريطاني، الناس ال مع المستعمر المصري مشوا قعدوا مع المصريين هناك وسلموهم القضية، والناس القاعدين مع المستعمر البريطاني ما كانوا بيروا ضرورة لمنازعته وكانوا مسَلِمين ليه أن يطور البلد للحكم الذاتي.. المسألة دي اتكلمنا عنها كثير نحن الجمهوريين في ليالينا وفي ما كتبنا من مناشير ومن مقالات.. لذلك الحركة الوطنية من ما إنبثقت في أوائل الاربعينات في مضمار مؤتمر الخريجين في أواخر الثلاثينات، في الأحزاب في أوائل الأربعينات لغاية ما جاء الإستقلال نتيجة لتنافس الدولتين المستعمرتين للسودان، نتيجة لتنافس الكتلة الشرقية والكتلة الغربية.. في المراحل دي الحركة الوطنية ما كانت وجدت فرصة لمواجهة الإستعمار.
ما فاتنا بنحصله في داخل الحكم الوطني وأنا أفتكر نحن محصلنو، وماشين فيه بصورة يمكن للإنسان أن يرصد فيها حسنات كثيرة كانت لمصلحة الشعب.. قلنا من المواقف ال يمكن أن نقيس بيها تحصيلنا في مضمار الحكم الوطني للوعي اللي فاتنا في أثناء الحركة الوطنية، أن مرحلة الديمقراطية الأولانية من سنة ثلاثة وخمسين لسنة ستة وخمسين، مرحلة الحكم الذاتي من سنة ستة وخمسين لغاية قيام الحكم العسكري سنة ثمانية وخمسين السودانيين ما كانوا شاعرين بقيمة الحرية.. كأنه الشعب السوداني ما قاتل وناضل وضحى بماله وبدمه وبراحته بالقدر الكافي في سبيل إحراز الحرية ليعطيها قدرها.. جاء الحكم العسكري.. بعد فساد الأحزاب لحكم البلاد، جاء الحكم العسكري في نوفمبر سنة ثمانية وخمسين.. إستمر الشعب ثمانية سنين تحت نوع من الإضطهاد والكبت.. سنة ثمانية وخمسين، مجئ العساكر، إستمر الشعب تحت لون من الإضطهاد ومن الكبت ومن السيطرة الفردية ستة سنوات قامت ثورة أكتوبر.. لأول مرة شعر الشعب في ثورة أكتوبر بقيمة الحرية، وإسترداها الشعب، بخلاف ما كان عليه الوضع في الفترة الأولانية.. شعبنا في ثورة أكتوبر إسترد حريته من حكم الجيش بدون قيادة.. ناس كثيرين بمجدوا ثورة أكتوبر وفعلاً بستغربوا فيها.. بعض الإخوان اللي جونا أخيراً من الدول العربية، يونس الدسوقي، كان بكلمنا فعلاً عن إستغراب السوريين مثلاً لِهَبَّة الشعب السوداني لإسترجاع حريته من حكم عسكري.. السوريين واقعين تحت الحكم العسكري من أيام ثورة حسني الزعيم في سنة ثمانية وأربعين أظنه، كل إنقلاب يحصل في سوريا إنقلاب من الجيش ضد الجيش بالصورة دي لكن الشعب ما إستطاع أن يعمل حاجة فيه.. الحكم العسكري برضو في العراق ما إستطاع الشعب أن يعمل فيه شئ.. الحكم العسكري في مصر ما إستطاع الشعب أن يعمل فيه شئ.. الحقيقة مافي في الإنقلابات العسكرية كلها شعب أعزل إستطاع أن يزيل الحكم العسكري إلا الشعب السوداني.. وحصلت بصورة برضها غريبة، بمعنى أنها ما عندها زعماء يوجهوها، ما عندها تخطيط، ما عندها خطابة وإثارة ولمة للناس حول القضية، الناس إتلموا بفعل العناية الإلهية وحدت قلوبهم ضد الحكم العسكري وهبوا كلهم بصورة كأنما كل واحد هو صاحب الثورة دي.. تاني حصلت تقدم الأحزاب اللي قبيلك زيفت الحكم وخلت الديمقراطية مهددة بالحكم العسكري.. زحفت تاني مرحلة مرحلة لغاية ما إستغلت جهل الشعب والغفلة وعدم التربية السياسية الرشيدة طورت الحكم وحورته خطوة خطوة لغاية ما رجعت بيه إلى مرحلة يمكن للإنسان أن يقول أنها أسوأ من موقفنا سنة ثمانية وخمسين.
البلد في الوقت الحاضر هي في مرحلة من سوء الحكم أسوأ مما كانت عليه سنة ثمانية وخمسين.. وما منع هذه الديمقراطية من أن تزول، بأن يقفز واحد من العساكر على السلطة، بإنقلاب عسكري، إلا أنه العساكر جربوا تجربة غضبة الشعب في سنة أربعة وستين.. لولا أنه الحكم العسكري جربناهو والعساكر عرفوا قيمتهم في الحقيقة في ثورة سنة أربعة وستين لكانت الديمقراطية دي زالت من زمن.
الموقف الحاضر هو في الحقيقة إمتداد للصورة ال نحن شايفنها على مدى حكم الوطنيين السودانيين لبلادهم.. الحاجة اللي بطمئن ليها الإنسان ويكون بيها فَرِحْ هي أنه في الوقت اللي الزعماء بيفسدوا أداة الحكم، الشعب بتعلم.. الزعماء في مرحلة براهم والشعب في مرحلة أخرى.. الزعماء في مركب براهم والشعب في مركب آخر.. وكلما أفسدوا - الناس المتولين الحكم - في الحكم كلما إتعلم الشعب بخيبة الأمل وبالتجارب المستمرة في إتجاهات قيادة زعاماته.. أنا أفتكر أنه إذا كان في حاجة واحده جديدة هي أنه في مرحلة تضليل جديدة مفتوحة للناس، أن يكون في تزييف للحكم بإسم الدستور الإسلامي، محاولة للزعماء أن يدخلوا في مرحلة جديدة يطلوها على الشعب كأنهم جدد، كأنهم إتغيروا، كأنه جاء الإسلام على إيدهم.. والشعب السوداني يمكن أن يُضَلَلْ بالإسلام.. أنا أفتكر أنه دي من حسناته كما هي من سيئاته.. من حسناته، لأنه شعب بحب الإسلام، متعلق بالإسلام، بِفَدِّي الإسلام، أي بارقة فيها إسلام شعبنا ممكن أن يتضلل بيها لمحبته للإسلام.. محبته للإسلام من حسناته.. الناس البيحاولوا أن يضللوه ، وكونه محبته دي بتمشي لغاية ما تطوع ليه أن يتضلل، دي يمكنك أن تعتبرها من سيئاته، لكنها في الحقيقة سيئة بإستمرار بيتنبه ليها.. في وقت من الأوقات كانوا الناس لمن يتكلموا عن الإسلام من المنابر، مثلاً الجمعية التأسيسية الأولانية لمن كانوا زعماء جبهة الميثاق والناس الماشين معاهم بيقولوا أنه الإنسان البصوت لجبهة الميثاق صوت لي الله، دا صندوق الله، البصوت لغيره كافر، البصوت لغيره بيعمل عمل يغضب الله.. في كانوا ناس بتأثروا، في ناس بخافوا فعلاً، أنا أعرف إتنين من جماعتنا من الوطني الإتحادي قالوا الشيخ عوض عمر قال في خطبة العيد أنه البصوت لغير جبهة الميثاق كافر، قالوا نحن مالنا ومال الكفر نحن راح نصوت لجبهة الميثاق.. لمن جات المسألة في الجمعية التأسيسية الأخيرة الناس عرفوا أنه الكلام دا باطل وكلام فارغ وأنه ديل حرامية.. واحد من الإخوان اللي جاء من دنقلا قال أنه الناس البسطاء في دنقلا، لمن مروا جماعة جبهة الميثاق وقالوا يقوموا يتكلموا "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل المرسلين، أما بعد أيها الناس إتقوا الله" قال يقولوا أنه الناس ديل جونا بي شنو؟ إتقوا الله دى ماقاعدين يقولوها الناس كلهم هنا.. ديل حرامية بس.. ا دي المسألة دي ماها حاجة ساهلة، كونو الشعب يوعى من أن يُضلل بالإسلام في مرحلة معينة وبسرعة يتنبه إلى أنه هو عايز الإسلام لكن الناس البدعوه للإسلام بالصورة دي هم في الحقيقة ماهم مخلصين للإسلام، أنا أفتكر دا مكسب كبير، المكسب دا جاء من فساد الحكم.. نحن بندفع ثمن تعليمنا.
أنا بفتكر ما عندنا حاجة نأسى ليها في أنه حكم البلاد دا فاسد.. أنا بعتقد أنه دا الوضع الطبيعي أن يكون الحكم فاسد لنتعلم نحن لنوعى.. ناسنا المتولين أمور البلد في الوقت الحاضر بطبيعتهم ما عندهم الإمكانية العلمية ولا الخلقية ليصلحوا الحكم إصلاح تام، لكن لو كانوا أذكياء بعض الذكاء كان يمكن أن يطلوا حكمهم بنوع من الحق ونوع من الباطل، دا بديه أجل أطول.. لقلة ذكاءهم، الفساد بقى ظاهر لغاية ما وصلنا مرحلة هسع بقوا ما بسألوا في النقد إطلاقاً.. أنا بفتكر إنتوا بتتذكروا القضية بتاعت مثلاً الوكيل الدائم بتاع وكالة التجارة شوفوا الأمر اللي قام فيها والضجة اللي قامت فيها من الصحف والنقد اللي قام فيها والإتهامات اللي قامت حتى في الجمعية التأسيسية.. ما حد سائل.. ووصلوا الدرجة دي ودا من حُسن الحظ أنا بعتقد لأنه لمن ما يهتموا للنقد ولمن يكون الفساد واضح ومكشوف دا مما يوعي الشعب ويعينه على أن يفهم بسرعة.. لكن أنا بفتكر أنه المرحلة المقبلة اللي بحاول الجهل دا أن يضلل الناس فيها بإسم الإسلام لابد أن تجد مننا موقف، تجد من الناس الواعين موقف للكشف وموقف للإبانة ليسرع العمل في توعية الشعب خطوات أكبر.. نحن الجمهوريين ما عندنا حاجة بنعتقد أنها يمكن أن تدفع عن الشعب دا إلا الشعب نفسه، بعناية الله وبتوفيق الله للشعب.. لكن إذا كان الشعب ما يعمل لنفسه، ما يمكن أن يعمل ليه إنسان خير.. والديمقراطية بطبيعتها زي ما قلنا دايماً هي حكم الشعب الرشيد.