إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الوهابية

خالد الحاج عبد المحمود


النبي لا يتمثل به الشيطان:


إن ابن تيمية يتحايل للتقليل من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يعلم، أن المعصوم قد قال، إن الشيطان لا يتمثل بي، ويقر صحة الحديث الوارد في ذلك، ولكن يجعل من عنده، أن الحديث قاصر، على الرؤية المنامية!! فهو يقول: (قد يرى أحدهم في اليقظة من يقول له أنا الخليل أو أنا موسى أو أنا المسيح أو محمد أو فلان لبعض الصحابة أو الحواريين، ويراه طائرا في الهواء، وإنما يكون ذلك من الشيطان، ولا تكون تلك الصورة مثل صورة ذلك الشخص، وقد قال النبي" من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي" فرؤيته في المنام حق، واما في اليقظة فلا يرى بالعين لا هو ولا أحد من الموتى، مع إن كثيرا من الناس قد يرى في اليقظة من يظنه نبيا من الأنبياء، أما عند قبره، وإما عند غير قبره، وقد يرى القبر ينشق ويخرج منه صورة إنسان، فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره أو أن روحه تجسدت وخرجت من القبر، وإنما ذلك جنِّي تصور في صورته ليضل ذلك الرائي)!! من كتاب (الجواب الصحيح) 3 ـ 348..
يقول تعالى عن الشيطان: "فقاتلوا أولياء الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" ويقول: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم* إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا، وعلى ربهم يتوكلون" والحديث الذي أورده ابن تيمية نفسه، يقول فيه المعصوم " فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي" هكذا على التعميم، ولم ير فيه أي تقييد باليقظة، أو النوم، فهذا التقييد من عند ابن تيمية، وهو واضح التهافت.. فمن البداهة إذا كان الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بالمعصوم في الرؤية، فمن باب أولى أنه لا يستطيع أن يتمثل به في اليقظة!! فالجناب النبوي أعظم من أن يكون للشيطان سلطان عليه، أو على شأن من الشؤون التي تتعلق به.. وقد قال المعصوم عن سيدنا عمر: " ما سلك عمر وادياً إلا سلك الشيطان غيره" فما بالك بالمعصوم نفسه!! ليس هذا فقط، وإنما حتى الذين يرون المعصوم في اليقظة، من (الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ليس للشيطان عليهم سلطان، كما هو وارد في الآية أعلاه.. والأحاديث الصحيحة الواردة في موضوع المعراج، تتحدث عن مقابلة المعصوم لعدد من الأنبياء السابقين ووصفه لهم، وحواره معهم، وما من مسلم إلا ويعلم الحوار الذي دار بين النبي، وسيدنا موسى، في أمر عدد الصلوات، فهل هذه كلها ينطبق عليها قول ابن تيمية المذكور!؟ سنرى لاحقا، أن أحد زعماء الوهابية، يدعو لهدم قبة النبي صلى اله عليه وسلم، ويزعم أنها أوحى بها الشيطان!!
وابن تيمية لم يورد، الحديث الذي يرويه أبي هريرة، وهو وارد في البخاري، لأن فيه رد واضح على تخرصاته، وفي الحديث يقول أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي"..
يقول عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية، من كتابه (حقيقة شهادة أن محمدا صلى الله عليه وسلم) ط 1 ص 93 في من يزعم أنه من المخالفين لشهادة محمد رسول الله يقول: (وقسم يشهدون أن محمدا رسول الله وينتسبون للإسلام، ولكنهم خالفوا حقيقة هذه الشهادة بأنواع ومراتب من المخالفات بعضها أعظم من بعض..
فقسم منهم بالغ في الغلو فيه صلى الله عليه سلم، وجعله نورا أزلياً ينتقل في الأنبياء، حتى جاء صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يزعم أنه مظهر يتجلى الله فيه والعياذ بالله)!! أولا يلاحظ أن الشيخ لم يورد أقوال من يفترض أنه يرد عليهم، ولم يذكر من هم، وماذا قالوا!! والشيخ يستعيذ بالله من أن النبي( مظهر لتجلي الله) حسب عبارته!! العبارة واضحة وبديهية، فكلمة تجلي تعني ظهور، فالله تعالى إنما ظهر لخلقه بخلقه، لا بذاته، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم فقط، وإنما كل مخلوق هو مظهر لتجلي الله.. ولكن الشيخ ذهب ليحرِّف العبارة عن معناها الواضح، ليقول: (وكل هذه أقوال لا تصدر عن قلب مؤمن، وإنما يزخرف فيها القول، وتلبس لباس الإسلام، تمويها على العوام، وإلا فهي مضاهاة لقول من سبق من الأمم الكافرة، مثل اعتقاد النصارى في المسيح أنه إله في صورة انسان)!! إن العوام الذين يتحدث عنهم الشيخ، هم أوعى منه بكثير، فلا أحد مهما كانت عاميته، يفهم من عبارة (مظهر لتجلِّي الله) أنها تعني الله!؟ وأنها تنطوي على تأليه للنبي!! الوهابية يتحايلون تحايلاً لتكفير غيرهم، وهم يجعلون من جهلهم فضيلة يبنون عليها، تكفير غيرهم من المسلمين.. فما الذي يكفِّر في القول، بأن النبي صلى الله عليه وسلم، في حقيقته نور أزلي!؟ هل هو كونه أزلي والأزل يعني بداية الزمن، بداية الخلق، أم كونه نوراً!؟ لو كان الشيخ أميناً لأورد حديث جابر بن عبدالله: "اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" وبعد ذلك رد عليه، أو حتى أنكر صحته كشأن الوهابية.. ولكن الشيخ لم يشر مجرد إشارة للحديث، ليقول ما قال!! كما لم يشر الشيخ إلى قوله تعالى: "وداعياً إلى الله، بإذنه وسراجاً منيرا" الأحزاب46..
فإذا كانت الذَّات المحمَّدية، هي أول ما خلق الله، حسب حديث جابر فما هو الغريب في أن يكون الوجود كله مستمد منها، وليس نور الأنبياء فقط!؟ لا أعتقد أن هنالك أرض مشتركة، بين الوهابية، وبين أبناء العصر، حتى نتحدث اليهم عن المقارنة بين مفهوم الحقيقة المحمدية، وبداية الخلق في المفهوم العلمي، حسب نظرية الانفجار العظيم big bang.. فالنظرية تفيد فائدة كبيرة، في تقريب مفهوم الذات المحمدية، لأذهان المؤمنين، فهي حسمت بصورة نهائية، أن للكون كله، بداية واحدة..