إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الوهابية

خالد الحاج عبد المحمود


مناقشة قضية التوسل:


إن فساد عقيدة الوهابية في النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء أدبهم معه، ومع غيره من الأنبياء والصالحين، يرجع إلى خلل أساسي في تصورهم للتوحيد.. فحسب أقوالهم، التي أوردنا بعضها، هم في موقفهم هذا ينطلقون من نقاط أساسية نلخصها فيما يلي:
1. هم يرون أن لا نجعل بيننا وبين الله تعالى، واسطة، وإنما نتعامل معه تعالى مباشرة.. وإذا اتخذنا أي واسطة أو وسيلة، نكون قد أشركنا هذه الواسطة أو الوسيلة، مع الله، وهذا عندهم شرك أكبر..
2. هم يعتبرون أن النبي صلى الله عليه وسلم مجرد رسول، انتهى عمله بأدآء وظيفته، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى فلم يعد ينفع أويضر ـــ كبرت كلمة تخرج من أفواههم..
3. هم يعتبرون أن من في البرزخ، ميت، ولا يقدر على شيء.. ويرون أن هنالك أموراً، لا يقدر عليها إلا الله.. والتوسل بمن في البرزخ، خصوصا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله شرك غليظ..
ونحن هنا نحب أن نقرر بعض المسائل الأساسية، التي ينبني عليها نقاشنا، لقضية التوسل، عند الوهابية.. من أوَّليات التوحيد، عند من يتوسلون بالمعصوم والصالحين، أنه لا فاعل لكبير الأشياء، ولا لصغيرها إلا الله.. فالفاعل الحقيقي في الوجود واحد، هو الله، وكل فاعل عداه، لا يعمل، إلا في الظاهر فقط ـــ في الشريعة.. فالمريد في الوجود واحد، والفاعل في الوجود واحد، هو الله.. وهو تعالى محيط بإرادة كل مريد غيره، وفعل كل فاعل غيره، فلا يقوم منهما شيء، ولا ينفذ منهما شيء، إلا بإذنه تعالى.. لاشيء في الوجود الحادث، في جميع مستوياته، له حول أو قوة، من نفسه.. فلا حول ولا قوة إلا بالله.. ولا شيء يقع، أو يتم فعله إلا بإذن الله.. ووحدة الفاعل هذه، هي أصل التوحيد والمعنى الحقيقي لكلمة التوحيد (لاإله إلا الله)، وعبارة، لا معبود بحق إلا الله، تنبثق من عبارة، لا فاعل لكبير الأشياء وصغيرها إلا الله، التي هي دونها في تحقيق التوحيد..
إن من أهم، مفاتيح فهم القرآن، المثاني فيه.. فالقرآن كله مثاني، يقول تعالى: "الله نزَّل أحسن الحديث كتابا متشابها، مثاني.." وهو مثاني، لأنه خطاب من الرب في علياءه إلى العبد في مستوى ما يطيق إدراكه، والعمل به (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، والمعصوم يقول: ( نحن معشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).. فشهادة التوحيد، تقع في مستويين، مستوى عند الله في ذاته، ومستوى تنزل إلى العباد، يقول تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلاهو، والملائكة، وأولو العلم، قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم" فبداية الشهادة عندنا في الأرض، وقمتها عند الله في إطلاقه.. والمطلوب أن نسير من ما عندنا إلى ما عند الله، وهذا سير سرمدي.. فالتوحيد أمر نسبي، والإيمان أمر نسبي، وتتفاوت الدرجات، حسب القرب من الله.. والقرب ليس قربا زمانياً، أو مكانيا وإنما هو قرب معنوي.. فالله تعالى، قريب من جميع خلقه، ولكن الخلق يتفاوتون في القرب منه تعالى، وفوق كل ذي علم عليم..

الإيمان بالقضاء والقدر، من قواعد الإيمان، وهو يقتضي، الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون، يحدث بإرادة الله، الإيمان والكفر في ذلك سواء، يقول تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض، ولا في أنفسكم، إلا في كتاب، من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير".. وفي نفس المعنى يجيء حديث المعصوم: " من آمن فقد آمن بقضاء وقدر، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر، رفعت الأقلام، وجفت الصحف"..
يتبع من وحدة الفاعل، كون الله هو الفاعل الوحيد في الوجود لكبير الأشياء وصغيرها، ويتبع، أن تعدد الأسباب الظاهر، وهم من أوهام العقول.. فالسبب الحقيقي، في جميع الحالات واحد، هو الإرادة الالهية، فلا يوجد سبب يعمل من نفسه، وإنما كل الأسباب تعمل بمقتضى الإذن الإلهي، فالنار لا تحرق من نفسها، وإنما تحرق بإذن الله، فإذا لم يصدر هذا الإذن، لا تحرق، والمثل على ذلك، قصة النمروز مع سيدنا ابراهيم... فيقتضي التوحيد، أن نأخذ بالأسباب الظاهرة، دون أن نقف معها، وإنما يكون نظرنا دائما لمسبب الأسباب.. وعلى ذلك فهنالك، فاعل حقيقي هو الله، وفاعل مباشر هو نحن والأسباب.. والتوحيد يقتضي النظر إلى الفاعلين معاً، مع مراعاة أن فعل الفاعل المباشر، لا يقوم، ولا ينفذ، إلا إذا اتفق مع فعل الفاعل الحقيقي..
والقرآن، لأنه يقوم على المثاني، ولأنه يخاطب العقول، في مستوى ما تطيق، فإنه يجاري وهم العقول، ريثما ينقل الناس منه، والمثل على ذلك، قوله تعالى: "لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين".. فالسالك المجود يفهم من الآية الأولى أن له مشيئة مستقلة تملك أن تستقيم أو أن تلتوي، وهذا ما يقوم عليه الظاهر، وما تقوم علي الشريعة، وعندما تنضج تجربة السالك في العمل بالشريعة، يؤمن أنه لا يملك مع الله مشيئة، فيتخلص من وهم العقول، ويصبح الخطاب في حقه "وماتشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين".. فيستقيم على الشريعة والحقيقة معاً.. فالظاهر دائما يقوم على الوهم.. وهم الحواس، ووهم العقول، ولا تتم المعرفة، إلا إذا تخلصنا من الأوهام.. فالوهابية، يقومون في فكرهم وعملهم كله، على الظاهر، على الوهم، ويحكمون على الذات بالتنزلات..
ما تقدم، خلفية ضرورية لبيان أمر التوسل، وهذا الذي نقوله، في جملة الحال، يؤمن به عموم الصوفية بمن فيهم العوام.. وبالطبع قد لا يستطيع العامة، أن يعبروا عنه، بصورة منظمة.. يقول الشيخ قريب الله:
حركاتنا، سكناتنا، أقوالنا، والنية* مخلوقة لك دائماً ليست بنا مزوية
فالاتِّهامات، التي ينسبها الوهابية للصوفية، وللمتوسلين عموماً، مرفوضة، بصورة مبدئية، فهي لا يمكن أن تعلق بأحد ممن ينسبونها إليهم، بل هي مبدئياً عكس ما يؤمنون به وما هم عليه من التوحيد.. فلا أحد، يتوسل بأحدٍ، وهو يظن أنه يمكن أن يفعل شيئاً من دون الله، أو مع الله، فهذا اتِّهام باطل، بصورة مبدئية، ونهائية.. تحضرني هنا قصة المرأة التي طلبت من الشيخ ابراهيم الكباشي (الجنا)، فقال لها الشيخ: قدر ما نظرت لم أجد لك جنا.. فقالت المرأة: من خشمه ما سمعنا، ومن فضله ما قنعنا.. فالكباشي لم يزعم أنه يعطي الجنا من دون الله أو مع الله.. والمرأة وهي تسأل الكباشي، كانت تعلم أن الكباشي،لا يفعل دون الله، أو مع الله، فلذلك قالت قولتها، التي تؤكد أنها، تنظرالى الفضل الالهي، وترجو الفضل الالهي، ولا تيأس من فضل الله، مهما كانت الأسباب الظاهرة( من فضله من قنعنا).. فهذه المرأة الأمِّية البسيطة، أعلم من علماء الوهابية بكثير!!
والوهابية، لأنهم يعتقدون أن لله قدرة خاصة به، وللخلق قدرة خاصة بهم، قالوا عباراتهم التي سبق أن اوردناها، من أن المتوسل يطلب من النبي الكريم ما لا يقدر عليه إلا الله.. والمشركون يؤمنون أن الله تعالى خالق الأشياء الكبيرة، مثل السموات والأرض، التي ليس لهم فيها وهم مشاركة، ولكنهم ينسبون فعل الاشياء الصغيرة في نظرهم، مثل الرزق، ومثل أعمالنا الإرادية، للخلق دون الخالق، وهذا هو موضوع الشرك.. الشرك يكون في الأفعال الصغيرة، التي يتوهم الإنسان أنه يقدر عليها، وفي الحقيقة الإنسان لا يقدر على أيِّ شيء، صغر أم كبر، دون الله، فالله تعالى، خالق كل شيء، وهو خالقنا، وخالق أفعالنا: " والله خلقكم وما تعملون".. فلا شيء على الإطلاق، يقدر عليه النبي، أو غيره من نفسه.. ولا شيء على الإطلاق، يعجز عنه النبي أو غيره بإذن الله.. الإنسان، بإذن الله، يمكن أن يبرز الحياة، من المادة غير العضوية، وبصورة مكتملة في لحظة!! وهذا ما حدث على يدي السيد المسيح، مما حكاه لنا القرآن.. والسبب الذي اتخذه المسيح هو (النفخ) وواضح أن هذا حسب الظاهر، لا يؤدي للنتيجة التي حدثت.. فلا المسيح، ولا النفخ، ولا أي سبب آخر يمكن أن يؤدي للنتيجة التي حدثت.. ولذلك فالنفخ وسيلة، مجرد سبب ظاهري في الشريعة، أما السبب الحقيقي، فهو الإذن الإلهي، الذي نجده دائماً يذكر في الآيات المتصلة بمعجزات السيد المسيح، فأنت تجد دائماً في هذه الآيات عبارة (بإذني) أو (بإذن الله)..
وهنالك نقطة أخرى، واضح من أقوال الوهابية، أنهم يعتقدون أن الإنسان، قد يقدر على أشياء وهو حي، ولكنه إذا مات، لا يقدر على شيء، ولذلك لا يجيزون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو في البرزخ، وهذا جهل كبير بحقيقة الموت، السبب فيه تعلق الوهابية بالظاهر، مما يجعل تصووراتهم كلها، أقرب للمادية منها للدين.. فالموت في الدين، زيادة في القرب من الله، فالإنسان الصالح، في برزخه، أكمل منه في دنياه.. والمتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان في الحياة، أو في البرزخ، أساساً لا ينتظر فعلا من النبي، دون الله، أو مع الله، وإنما ينتظر فعلا من الله، يتوسل اليه المتوسل بالنبي، لأنه على يقين من أن النبي مقبول عند ربه أكثر منه..
بقيت القضية، هل التوسُّل صحيح ومطلوب دينا؟ أم غير صحيح وغير مطلوب؟! أولا، الحياة كلها تقوم على اتخاذ وسائل تؤدي إلى غايات، ولا يمكن الوصول إلى غاية، دون اتِّخاذ الوسيلة الصحيحة، والمناسبة لها.. ولو كان الله تعالى، يريد من البشر التعامل معه مباشرة، لما أرسل رسل الملائكة، ولا رسل البشر.. فمن حيث المبدأ، على الوسيلة يقوم الدين كله، والحياة كلها..
وإذا جعلنا حديثنا، قاصراً على النبي صلى الله علي وسلم، نجد أن الوهابية لا يرفضون الوسيلة، رفضاً مبدئياً، وإنما يرفضونها في حق النبي صلى الله عليه وسلم بالذات.. فهم كما سبق أن أوردنا عنهم، يجعلون الوسيلة قاصرة على العمل الصالح والمحبة، والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، والتوسل إلى الله بتوحيده، والتوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء، والتوسل إلى الله بالاعتراف بالذنب.. وعند الوهابية التوسل غير المشروع، هو التوسل، بغير ما ذكروه حصراً، ومنه، عندهم التوسل بالأموات (لأن الميت لا يقدر على الدعاء).. التوسل بجاه النبي أو جاه غيره.. الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه.. وقد رأينا أن الوهابية يعتبرون بناء الأضرحة والمقامات، على القبور، من الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، ولا يستثنون من ذلك قبة النبي صلى الله عليه وسلم، بل بالعكس، يعتبرونها مما أوحى به الشيطان، وأنها السبب في انتشار القباب!!