إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..
لقد جاء من كتاب ( العقيدة: الركن الأول في الاسلام) لمحمد الفضل الشريف التقلاوي، الذي أصدرته (جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان) ص 128 عن قبة النبي قوله: (ومن بعد اكتمال هذه القبة التي أوحى بها الشيطان وكاد بها لأهل الإسلام، انتشرت القباب في كل بلاد الإسلام، وارتكبت فيها المخازي والبلايا والمصائب وباشروا فيها الشرك جهارا نهارا) ويقول: (ولقد أزال السعوديون القباب في نجد والحجاز، فرحم الله الملك عبدالعزيز العادل، ولكن لماذا أبقوا على القبة التي كانت السبب في نشر القباب؟ إن هدم قبة النبي صلى الله عله وسلم وصاحبيه، أعظم عمل يقوم به مسلم يرجو القربة من الله، ولا يخشى سواه، وأن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في إزالة هذ البدعة التي أدت إلى مفسدة الشرك في كل بلاد المسلمين، وإن الاقدام على هذا الأمر يتطلب فهما للدين وشجاعة في تنفيذه، وإيمانا راسخاً بالله رب العالمين، وإن إبقاء هذه القبة يخجل العلماء، فأين العلم؟ ويخجل الولاة فأين الحزم؟ ويخجل الدعوة العريضة في صيانة الدين والذود عن حياضه، فأين الذود، وأكبر بدعة تطل كالجبل الأشم؟)
انظر إلى هذه الحرارة، في التحريض ضد أمر يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم من رجال يزعمون أنهم وحدهم أهل الدين!! الوهابية حسب هذا النص، الذي لم يكن مجرد خطاب أرسلوه للملك، وإنما كتاب، نشروه، وأذاعوه، لكل الناس، يقررون فيه بصورة سمجة، ينفر منها الحس السليم أن:ـ
1. قبة النبي (أوحى بها الشيطان وكاد بها لأهل الاسلام)
2. وأنها بدعة(أدت إلى مفسدة الشرك في كل بلاد المسلمين)
3. وأن بقاء هذه القبة أمر يخجل
4. وهدم قبة النبي (أعظم عمل يقوم به مسلم يرجو القربة من الله)
وهم على ذلك، يدعون لهدم القبة، فوق صاحبها صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه، كما فعلوا في قباب أخرى!!
هل رأى الناس مثل هذا الجفاء، والغلظة في حق أعظم خلق الله، وسيد الأنبياء والمرسلين!؟
هذه عقيدة الوهابية، فهم يعتقدون أن الشيطان يمكن أن يتصرف في شأن متعلق بالنبي، والله تعالى يقول، عن الشيطان "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" وقد ورد عن النبي المعصوم قوله: "ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان غيره" وقد قال تعالى في حق نبيه العظيم: "ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" فمجرد وجود النبي، رفع العذاب عن الأمة كلها، وهؤلآء المبطلين، جعلوا منطقة قبره حرماً مستباحاً، يعبث فيه الشيطان!! ويكيد لأهل الاسلام!! ليس ذلك فقط، وإنما أسوأ من ذلك، وأفظع، أنهم جعلوا من شيء يتعلق بالمعصوم، سبب لشرك انتشر في كل بلاد المسلمين، وسبب في انتشار المخازي والبلايا والمصائب!! وما هو أعظم عمل يعمله المسلم، عند الوهابية؟ إنه هدم قبة النبي!! ( إن هدم قبة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أعظم عمل يقوم به مسلم يرجو القربة من الله) هكذا، بكل جرأة، ووقاحة!!
إن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما يتعلق به، محفوظ من كيد الشيطان، فالشيطان لا يستطيع أن يتمثل بالنبي في الرؤية، خل عنك أن يوحي بإقامة قبة على قبره الشريف.. والله تعالى يقول: "إن عبادي ليس لك عليه سلطان، وكفى بربك وكيلا"، فكيد الشيطان، أضعف من أن يتصرف في شأن من شؤون عباد الله الصالحين، خل عنك سيد المرسلين..
فإذا كان الهدم، هو أعظم عمل يقوم به مسلم، فلماذا تتركونه لغيركم!؟ أليس الأولى أن تقوموا به أنتم، طالما أنكم تملكون هذه الرؤية الواضحة لأعظم ما يقرب إلى الله!؟ لم يجد الوهابية، أي باطل في السعودية، يحاربونه غير القبة الشريفة!! وهم إذ يدعون لهدم، قبة النبي، يتملقون الملوك، ويحرضونهم على هذا العمل العظيم بزعمهم.. هم يترحمون على الملك عبدالعزيز العادل!!، ويحرضون خلفه من الملوك، أن يسيروا على طريق سلفهم، فيهدموا قبة النبي، كما فعل السلف مع قباب أخرى.. وجود مُلك متوارث في السعودية، وتسميتها باسم الأسرة، ليس أمراً مستفزاً، ولا هو مخالف للاسلام، وإنما هو أمر يستحق التمجيد، والملق، والأمر المستفز لمشاعرهم، هو قبة النبي الكريم!
هذه هي عقيدة الوهابية، في النبي، وموقفهم من ضريحه، فنيتهم الحقيقية هي هدم قبة النبي، وهذا ما ينسجم مع دعوتهم، وهم لم يهدموها، بسبب الخوف.. ليس الخوف من الله، وإنما الخوف من خلق الله.. ولم يستجب الملوك لتحريضهم، وهم لم يفعلوا قبل تحريضهم.. فالأمر الطبيعي أن يدينهم الوهابية، لموقفهم هذا المتقاعس، ولمشاركتهم في نشر الشرك والمخازي، ولكنهم لم يفعلوا، ولن يفعلوا.. بل إنهم يفعلون العكس، فيمجدون هؤلآء الملوك ويصفونهم بأوصاف العظمة، مثل صفة الجلالة (جلالة الملك)..
إن الوهابية، يعظمون ملوك آل سعود، ويقدسونهم، بصورة تشابه تقديس الشيعة لآل البيت، مع اختلاف أساسي، هو أن آل البيت الذين يعظمهم الشيعة، ليسوا ملوكاً، وإنما يقدسونهم لاعتبارات الدين.. ونحن هنا نورد نموذجاً لتعظيم الوهابية، لملوك آل سعود، فقد جاء من أقوال محمد حامد التقي، رئيس جماعة (أنصار السنة) بمصر، من مقدمة كتاب(فتح المجيد) مانصه: "حتى كانت النعمة التامة، فضم الله اليه سيف آل سعود، وشد بهم أزره، فأعلى كلمته بلسان الشيخ محمد، وعلى ظبا سيوف آل سعود الأمجاد، وأيد الله قوة اللسان الصادق، ببأس الحديد الشديد، واعز كلمة العلم بسواعد السعوديين الأشداء، فتمت كلمة الله، ونعمته على الجزيرة، وأشرقت عليها من جديد شمس الاسلام، وعز التوحيد، وذل الشرك.. وجاء الحق، وزهق الباطل، ولقد بارك الله في آل الشيخ وذريته، وفي آل سعود فلا يزال الجميع إلى اليوم السنة صدق، وسيوف عز للاسلام والتوحيد، خصوصاً منهم الإمام العادل الذي جدد للتوحيد ثوبه القشيب، وأعاد للجزيرة أمنها ورخاءها، جلالة الملك عبدالعزيز المتوفي في ربيع من سنة 1373هـ رحمه الله رحمة واسعة، وأسبغ على قبره شآبيب الغفران، وأطال عمر خليفته سعود بن عبد العزيز، وادام رايته مرفوعة، وأيده بعزيز نصره وتأييده، فلقد حرص جلالة الملك سعود، ملك المملكة العربية السعودية، مد الله في حياته، على اقتفاء والده والسلف الصالحين، وإنه لجدير بذلك، فهو الناشيء في طاعة الله، الممتزج حب التوحيد بكل ذرة وشعرة من ظاهره وباطنه، الذي أحيا بتواضعه وحبه للعلم وأهله سنة السالفين، ونهج منهج الخلفاء الراشدين)!! الطبعة السابعة سنة 1957م .. لا تعليق