إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

هؤلاء هم الوهابية

خالد الحاج عبد المحمود


التوسل: الأدلَّة من النصوص والممارسة


لقد رأينا أن منع التوسل، وتكفير المتوسِّلين بالبشر، بمن فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، يمثل القضية الأولى والأساسية عند الوهابية، تلك القضية التي يتهمون من خلالها، غيرهم من المسلمين بالشرك.. والنصوص مسفيضة جدا في هذا الباب، ومن أهمها ما يجيء في القرآن، ومنه الآية التي سبق أن أوردناها، وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة).. ويتضح من ظاهر النص، أن الوسيلة أمر إضافي للتقوى.. والآية القرآنية الأخرى تقول: "أولئك الذين يدعون ربهم، يبتغون إليه الوسيلة، أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا" واضح ارتباط الوسيلة بالدعاء، وأن المتوسَّل بهم، بعضهم أقرب من بعض (أيُّهم أقرب)..
ونورد هنا رد الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وهو أخ محمد بن عبدالوهاب، فقد قال: (ومما يدل على عدم صوابكم في تكفير من كفرتوهم، وأن الدعاء والنذر ليسا بكفر ينصل عن الملة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الحديث الصحيح، أن تدرأ الحدود بالشبهات ولقد روى الحاكم في صحيحه وأبو عوانة والبزاز، بسند صحيح، وابن السني عن بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي يا عباد الله احبسوا، يا عباد الله احبسوا، ثلاثاً فإن لله حاضرا سيحبسه).. وقد روى الطبراني أن من أراد عوناً فليقل: يا عباد الله أعينوني.. ذكر هذا الحديث الأئمة في كتبهم ونقلوه إشاعة وحفظا للأمة ولم ينكروه، منهم النووي في الأذكار وابن القيم في كتابه (الكلم الطيب) وابن مفلح في الآداب، قال في الآداب بعد أن ذكر هذا الأثر: " قال عبد الله بن الامام أحمد سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج، فضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً، فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني علي الطريق، فلم أزل أقول ذلك، حتى وقعت على الطريق"..
أخرج الدارقطني في سننه"(ـ278) والبيهقي في شعب الإيمان (3ـ490) أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من زارني في قبري وجبت له شفاعتي" وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" رواه أحمد وأبوداؤود من طريق أبي صخر عمير بن زياد عن يزيد بن عبدالله بن قسيط عن أبي هريرة مرفوعا..
والحديث عند أبي الشيخ والطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي ملفوظ (كان كمن زارني في حياتي)
وفي صحيح مسلم (4ـ1845) عن ثابت البناني، وسليمان التيمي عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عله وسلم قال: " أتيت، وفي رواية هداب مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره") انتهى
أما عن زيارة القبور فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في البداية، وأمر بها لاحقاً.. وهو قد نهى نهى عنها في بداية الأمر، لأن المسلمين كانوا حديثي عهد بالإسلام، والقبور تذكرهم بأحبائهم من الكفار، وأمر بها عندما أصبحت القور تذكرهم بالآخرة فقال: "كنت قد نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها"..
والوهابية يبنون على النهي ويوردون حديث تسوية القبور على اعتبار أنه أمر دائم.. وكان المعصوم والأصحاب يزورون القبور، فقد جاء مثلا مما رواه مسلم، عن بريدة قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرجوا إلى المقابر يعلمهم أن يقولوا (السلام على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي حديث السيدة عائشة (قلت كيف أقول لهم يا رسول الله قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المتقدمين منا والمتأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).. وقد روى الزمزمي وغيره عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه وقال: "السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا، ونحن بالأثر"..
لاحظ أن الدعاء ليس لأهل القبور فقط، وإنما كان المعصوم يدعو لنفسه (يغفر الله لنا).. وفي حديث عائشة علمها أن تدعو للمتقدين والمتأخرين (ويرحم الله المتقدمين منا والمتأخرين).. والمعصوم يسأل له ولهم(العافية)..
(نسأل الله لنا ولكم العافية)..
وفي حديث وهيبة الذي أخرجه الامام أحمد عن ابي وهيبة، مولى رسول الله، جاء (يا أبا وهيبة إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي.. قال: فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: "السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه!! أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى"..
ومعلوم أن في صلاة الجنازة، يدعو المرء لنفسه وللمسلمين: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.. الخ، وهذا وارد عند كل أئمة المسلمين وعامتهم.
وقد جرت زيارة القبور، والدعاء عندها، من الأصحاب والتابعين، ولهم أقوال كثيرة في ذلك.. وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها، تصلي بحجرتها، وفيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم.. وعلى سبيل المثال كان اسامة بن زيد يجيء عند حجرة عائشة ويدعو.. راجع الطبراني في الكبير 1 ـ66 الضياء المقدسي في المختار 4 ـ 105 والهيثمي في مجمع الزوائد 8 ـ64 ـ 65..
وقد روي عن عبدالله بن دينار أنه قال: "رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسلم على النبي ويدعو، ثم يدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما "رواه البيهقي في السنن الكبرى وشعب الإيمان..
قال الامام النووي في ترجمة عقبة بن عامر الصحابي ما نصه: "عقبة بن عامر الصحابي رضي الله عنه، كان البريد إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بفتح دمشق، فوصل المدينة في سبع أيام، ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف بدعاءه عند قبر رسول الله صلي عليه وسلم وتشفعه به في تقريب طريقه " كتاب تهذيب الأسماء 1/308 ـ309..
والأقوال، والممارسات، من أئمة المسلمين، المشهود لهم بالعلم والصلاح لا حصر لها، ولكننا نحب أن نورد هنا، الخبر عن محمود بن سبكتين، صاحب بلخ وغزنة، لأن ابن تيمية يشهد له بصحة الدين وسلامة العقل، فقد قال بن تيمية في حقه (السلطان محمود بن سبكتين كان من أحسن ملوك أهل المشرق إسلاماً وعقلا وديناً وجهادا وملكا في آخر المئة الرابعة (كتاب تلبيس الجهمية) 2-331.. محمود هذا كان والده مشهوراً بالعداء لآل البيت، وقد خرب مشهد علي بن موسى الرضا، فلما خلفه محمود، رأى في النوم عليا رضي الله عنه، وهو يقول: إلى كم هذا!! فبنى المشهد ورد أوقافه إليه.. وردت الرواية عند الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 16ـ 500 وقد جاء قوله: "أما الملك محمود بن سبكتين فهو من أظهر مذهب أهل السنة والجماعة بعد بدعة ابيه، حتى بن تيمية نفسه مدحه عدة مرات"..