إن الرجل الحر حرية فردية مطلقة هو ذلك الرجل الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط واحد هو أن يكون كل عمله خيرا، وبرا، واخلاصا، وسلاما، مع الناس..

الأستاذ محمود محمد طه - كتاب (لا إله إلا الله)

menu search

الديباجة

26) ثم إن الذي لا يهذب، بعبادته على المنهاج النبوي - النموذج الحي - عقل معاشه، فإنه يحتاج إلى العقوبة لتسد ثغرات التربية التي لم تفلح فيها عبادته‏.‏‏. فإن لم يتفق له، بمحض الفضل، هذا التهذيب بين العبادة، والعقوبة، فإنه قد أضاع حياته الدنيا، وذهب لحياته الأخرى بغير زاد..‏ والدنيا دار مسئولية، ولكنها مؤجلة، والآخرة دار مسئولية، ولكنها مباشرة، وناجزة: ((وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من الله، ورضوان‏.‏‏. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور..)) ‏فمن هذب عقل معاشه فجعله عقل معاد بممارسة العبادة وحدها، أو بممارسة العبادة والعقوبة، معا، فقد ذهب إلى الله وله ((مغفرة من الله ورضوان))‏.‏‏. ومن أضاع فرصة مهلة الحياة الدنيا، فله ((في الآخرة عذاب شديد)).. ويقول تعالى عن عقول المعاش التي لم تهذب في مهلة الحياة الدنيا: ((ويسألونك عن الجبال، فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له، وخشعت الأصـوات للرحمــن، فلا تسمـع إلا همسـا!!))‏.‏‏. وهم لا يتبعون الداعي إلا بعقل‏.‏‏. وهذا هو عقل المعاد، وقد خلصهم الله، بالعذاب الشديد، من عقول معاشهم التي أهملوا تهذيبها في الحياة الدنيا‏.‏‏. ومن نسف العقول - عقول المعاش - في الآخرة، جاءت حكمة الرجم بالحجارة، حتى يتهشم الرأس، لمن يتورط في الزنا، وهو محصن، أي متزوج، وقد سلفت له تجربة في معاشرة النساء‏.‏‏. فإن كان غرّا غير مجرب - بكرا - فإنه يجلد مائة جلدة، ليقوّي الألم عقله، حتى يسيطر على نفسه، حينما تتهالك على اللذة الحرام‏.‏‏. فلسفة الألم تبدو معقولة في حق البكر، لأنه سيعيش، بعد المائة جلدة، لينتفع، في باقي حياته، من التجربة‏.‏‏. ولكن ما بال المحصن الذي يفقد حياته بالرجم؟! ما الذي أفاده؟؟ سيدخل حياته الأخرى، وهو مطهّر، قد نسف عقل معاشه هنا، مما يغنيه عن نسفه في الآخرة‏.‏‏. ومعلوم أن عذاب الدنيا قصير، ونعيمها فانٍ‏.‏‏. وعذاب الآخرة أبدي، ونعيمها سرمدي‏.‏‏. ولذلك فقد استيقن هذا أصحاب عقول المعاد، فطلبوا أن يُرجموا ليدخلوا حياتهم الأخرى مطهّرين: ماعز، والغامدية، اعترفا للنبي بالزنا، وطلبا أن يطهرا، وقد طهرا‏.‏‏. وقال النبي الكريم عن الغامدية أنها ((قد تابت توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم..))

27) وعقل المعاش هو الذي يخيف الإنسان من الرزق، من أين يجئ؟؟ ويعده الفقر، ويأمره بالسرقة، فيسرق‏.‏‏. ولو كان عقل معاشه مهذبا، حتى أفضى إلى عقـل المعاد، لتحرر من خوف الرزق بعلمه: ((إن الله هو الرزاق)) وبعلمه: ((وعلى الله فليتوكل المتوكلون))‏.‏‏. وهذا العلم هو الذي جعل النبي يدعو ربه: ((اللهم اجعل قوت آل محمد الكفاف))‏.‏‏. لم يكن يخاف ألّا يرزقه الله الكفاف، ولكنه كان يخاف الغنى الذي يمد لعقل معاشه في الوهم‏.‏‏. ومعلوم أن حاجة الله إلى العباد عقولهم، ومن أجل ذلك خلقهم في نشأة وسط، لا هم بالأقوياء الذين يحلون مشاكلهم الحياتية بعضلاتهم، فتتأخر عقولهم، ولا هم بالضعاف، الرخوين، الذين لا يستطيعون أن ينهضوا لمطلق مناجزة، أو مصاولة‏.‏‏. هذه النشأة الوسط أعانتهم على حل مشاكلهم بعقولهم، وبأيديهم، يخططون بعقولهم، وينفذون بأيديهم خططهم فتتطورعقولهم في المراقي‏.‏‏. والسارق يهمل عقله، ويحاول أن يحل مشكلتـه بيده‏.‏‏. ولما كانت اليد وثيقة الصلة بالعقل فإن حكمة الله اقتضت تعطيل اليد لينشط العقل، أو قل: ليتهذب عقل المعاش‏.‏‏. وأكثر من هذا يقال عن قطع الطريق لأنـه محاربة للسلطان، وإخافة للآمنين، وسطو على أموال الناس‏.‏‏. والغرض، وراء كل العقوبات، هو تهذيب عقل المعاش عند المعاقب، أو إرساله للحياة الأخرى وهو مطهّر، حين تبلغ العقوبة به اجتثاث حياته‏.‏‏. وإنما شُدد في أمر الزنا للمحصن، أكثر مما شدد على السارق، وقاطع الطريق، لأن الغريزة الجنسية هي الحياة كلها، ولكن حب الملكية ليس غريزة، وإنما هو التواء للغريزة، سببه الخوف على الرزق الذي يسوله وهم عقل المعاش‏.‏‏. أما حد السكر فهو، كما سبقت إلى ذلك الإشارة، أقل الحدود الخمسة انضباطا‏.‏‏. وهو إنما يقع على السكر، وليس على مجرد الشرب، والحكمة فيه أن الشارب إنما يهرب من واقعه لأنه لا يعجبه، ويغرق عقله بالخمر، ليعيش في دنيا من صنع خياله المريض، وعقله المعطل بالخمر، حتى إن شاعرهم قد قال: -

فإذا سـكرت فإنني * رب الخورنق والسديرِ
وإذا صحوت فإنني * رب الشويهة والبعيـرِ

فهذا الهروب من الواقع حالة مرضية، والمطلوب من العاقل أن يتواءم مع واقعه، مع إعمال عقله لتغييره للصورة التي يطمح إليها‏.‏‏. فمن أجل كرامة الفكر جاءت العقوبة بالجلد، حتى يرده الألم للواقع، فإنه ليس مع وقع الألم فرصة خيال مريض‏.‏‏. وهكذا تصان مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، مصلحة الفرد بتهذيب عقل المعاش‏.‏‏. ومصلحة الجماعة بجعل أحد أفرادها فردا منتجا، ونافعا لمجتمعه‏..

28) هذه هي الحدود‏.‏‏. وهي شديدة الانضباط‏.‏‏. هي دستورية، في قمة الدستورية‏.‏‏. ولقد قلنا إن دستورية القوانين تعني مقدرتها على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة‏.‏‏. وتلي الحدود في هذا المضمار قوانين القصاص‏.‏‏. ولقد قلنا إن القصاص يقوم على المعاوضة - من أتلف شيئا عليه أن يصلحه- عليه أن يعوضه - وهي، بمعنى أوسع، تقوم على أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به‏.‏‏. وهذه قاعدة تربية عظيمة النفع للفرد، وللمجتمع‏.‏‏. ولقد قلنا إن تشاريع الحدود يمكن أن تنضوي تحت كلمة القصاص، بمعنى المعاوضة، ذلك بأن الحدود أيضا معاوضة‏.‏‏. وقلنا إن الحدود أشد انضباطا من القصاص، ذلك بأن القصاص يمكن فيه العفو، كما تمكن فيه الدية‏.‏‏. ولكن الحدود إذا بلغت الحاكم، فليس فيها إلا إقامتها‏.‏‏. والقصاص إنما تجيء دستورية قوانينه من مقدرته على الجمع بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة‏.‏‏. فمثلا، من قلع عين إنسان لا بد أن يكون ضعيف التصور لمبلغ الألم الذي يلحقه، بقلع عين أخيه الإنسان، بأخيه الإنسان‏.‏‏. قد يكون ضعف التصور ناتجا من غضب استولى عليه، فأخرجه عــن طوره، وعطل عقله، فلم يسيطر على رعونة نفسه‏.‏‏. وقد يكون ضعف التصــور ناتجا من ضعف عقل المعتدي، ومن قصر خياله، فرأت حكمة التشريع أن تضعه في موضع المعتدى عليه، فتقلع عينه، ليذوق الألم الذي قصّر خياله عن تصوره‏.‏‏. هذه التجربة توقظ عقله، وتخصب خياله، وتحيي ضميره - وتورثه حياة حية.. ولذلك فقد قال، تبارك وتعالى، عن القصاص، وهو يشمل الحدود، كما سلفت الإشارة: ((ولكم في القصاص حياة، يا أولى الألباب، لعلكم تتقون..)) ويجب أن يكون واضحا، فإن الحدود، والقصاص، لا تقام إلا على خلفية من العدل- العدل الاقتصادي، والعدل السياسي، والعدل الاجتماعي - وإلا على بعث للتربية بإحياء منهاج العبادة، التي تعين الأفراد على أنفسهم، ثم لا تجيء العقوبة، حين تجيء، إلا لتسد ثغرات الممارسة في العبادة، حتى يعان الفرد الذي قصرت به عبادته بالعقوبة ليبلغ مبلغ يقظة العقل، وحياة الضمير، وتوقد الذهن‏..

29) إن الفرد البشري اليوم وارث لكل حياة الجنس البشري، منذ النشأة، فهو يعيد كل هذه الحياة، منذ حياة حيوان الخلية الواحدة، بين الماء والطين، ولكن في رحم الأم.. هو يطوي هذه المراحل بسرعة شديدة لأنها موجودة فيه بالإمكان فهي تفـــر نفسها، بمحض الفضل الإلهي، في تسعة أشهر وبضعة أيام‏.‏‏. قال تعالى: ((ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين‏.‏‏.)) فأما القرار المكين هنا فإنما هو رحم الأم‏.‏‏. وأما النطفة هنا فإنما هي ماء الرجل المختلط ببويضة الأنثى‏.‏‏. ولقد طوى تبارك وتعالى، في عبارة ((من سلالة من طين)) تطور الحياة، منذ نشأت، بين الماء والطين، وإلى أن بلغت مرتبة البشرية.. قال تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا‏.‏‏.)) فالنطفة الأمشاج هنا إنما هي الماء المختلط بالطين‏.‏‏. وهذا مما طوي في عبارة ((من سلالة من طين))‏.‏‏. فالفرد البشري اليوم، في الرحم، يعيش كل هذه الأطوار، التي استغرقت دهرا دهيرا، في تسعة أشهر، وبضعة أيام، وذلك بمحض الفضل الإلهي‏.. ولقد حفز الخوف الرهيب الحياة في المراقي، حتى بلغت طورها الحاضر، ببروز البشر المعاصرين‏.‏‏. ولقد طويت الإشارة إلى الخوف الرهيب الذي حفز الحياة في مراقيها في عبارة ((نبتليه))‏.‏‏. ولقد طويت المراقي في عبارة ((فجعلناه سميعا بصيرا))‏.‏‏. وفي آيات النشأة البشرية يقول تبارك وتعالى: ((ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين..)) فهذه ست حركات يطوي فيها الكائن البشري، في رحم الأم، كحيوان منوي، جميع مراحل الحياة، منذ فجر الحياة، من لدن الماء، والطين‏.‏‏. وفي الحركة السابعة، ((ثم أنشأناه خلقا آخر)) يدخل الكائن البشري، وهو في رحم الأم، مرتبة البشرية، ثم يخرج إلى الحياة طفلا بشرا سويا!! ((فتبارك الله أحسن الخالقين!!)) ثم هو، منذ أن يولد، يسير سيرة الفرد البشري الأول الذي اضطر، اضطرارا، ليعيش في مجتمع، وكذلك هدي إلى اختراع المجتمع، منذ ذلك الوقت المبكر‏.‏‏. ثم هو لم يخترعه إلا بعد أن تنازل اضطرارا عن بعض حريته، ليستمتع بباقيها‏.‏‏. وهذا هو الشأن إلى يومنا الحاضر، حيث تقيد حريات أفراد المجتمع بما لا يتعدّى على حريات الآخرين‏.‏‏. وكلما ترقت المجتمعات، كلما قللت من القيود على الأفراد‏..‏ ومن هذا الاتجاه نشأت الديمقراطية، ونشأت الدساتير، ونشأت القوانين الدستورية‏.‏‏. ولقد قلنا، ونقول مرة أخرى، إن القوانين الدستورية هي تلك التي تملك القدرة على التوفيق، في آن معا، بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة‏.‏‏. ولقد قررنا، فيما سلف، أن القوانين التي أخذت بداياتها من الأعراف البسيطة، الساذجة، البدائية، التي حولها نشأ المجتمع، بتقييد، أو قل بتنظيم، القوة الجنسية، وبتقييد، أو قل بتنظيم الرغبة في الملكية، قد كانت دستورية بهذا المعنى الوارد أعلاه‏.‏‏. نقول هذا مع إن العقوبات التي كانت تترتب على مخالفات هذه الأعراف قد كانت عنيفة، أشد العنف، وأفظعه‏.‏‏. ولكنها، مع ذلك، قد كانت حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة‏.‏‏. ولكنها فقط في نقطة البداية، حيث نشأة العقل، الذي يقيد نزوة الحيوان فينا‏.‏‏. ولولا نشأة العقل لما دخلنا مرتبة البشرية‏.‏‏. ولولا العقل أيضا لما كان هناك طموح منا لنبلغ مبلغ الحرية الفردية المطلقة، منذ اليوم، وفي أيامنا المقبلة‏.‏‏. وهي أيضا قد كانت، وبنفس القدر، حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، التي نحلم بها نحن، منذ اليوم، ونترقب بلوغها، في أيامنا المقبلة‏.‏‏. إن النهايات ظاهرة في البدايات‏، ولكن ظهورها يحتاج منـا إلى إعمـال فكر‏.‏‏. إن المعلم واحد - الله‏.‏‏.


30) والآن فان الفرد البشري يولد أنانيا، فهو لا يرى أن هناك غيره، بل إنه يرى أنه يجب أن ينفرد بنيل ما يريد‏.‏‏. ثم هو يأخذ في التعلم، قليلا، قليلا، حتى يقيد رغبته برغبة المجتمع من حوله‏.‏‏. وكلما نما، كلما علم، أن حريته مقيدة بحرية الآخرين‏.‏‏. ثم هو، إذا بلغ سن الرشد، أصبح واضحا أمامه وجوب تقييد نزواته، وفق العرف، والقانون، وإلا فإنه يتعرض للعقوبة التي تعرض لها الفرد البشري، في أول النشأة، مع الاختلاف، طبعا، في عنف العقوبة بين الأمس، واليوم، وذلك بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع، فالفرد البشري اليوم مولود وهو وارث لتجارب الحياة منذ بدايتها‏.‏‏. ووارث للكبت الذي فرضته الحياة، في المجتمع، على الفرد البشري، منذ بروز البشر من مستوى الحيوان‏.‏‏. ثم إن على الفرد البشري، بالإضافة للكبت الموروث، أن يمارس كبتا مكتسبا في حياته بين الميلاد والوفاة‏.‏‏. ولقد كان الكبت دائما بفعل الخوف، ولكن الخوف يقل، ويقظة الضمير تزيد، كلما اقتربنا من عهد كمال الحياة البشرية على هذا الكوكب الذي نعيش فيه.. ولقد كان الخوف صديقا، حيث به برزت العقول من الأجساد، ولكنه لا بد من التحرر من الخوف، من أجل كمال العقول وكمال الأجساد‏.‏‏. لقد كان الخوف صديقا في بداية النشأة، ولكنه قد أصبح عدوا منذ اليوم، حيث أقبلت الحياة البشرية على عهد كمالها‏.‏‏. لقد سار الفرد البشري من مستوى الحيوان إلى مستوى البشر، بفضل الله، ثم بفضل الكبت، الذي به انقسم على نفسه وسيسير من مستوى البشر إلى مستوى الإنسان، بفضل الله، ثم بفضل فضّ الكبت، حيث تتوحد البنية التي انقسمت بفعل الكبت‏.‏‏. إن جميع عصور البشرية، وإلى اليوم، قد تطورت فيها البنية البشرية وهي منقسمة على نفسها‏.‏‏. وهذا ما أسميناه مرحلة: ((الجسد والعقل المتنازعين))‏.‏‏. وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت، الموروث، والمكتسب، حيث تجيء مرحلة: ((الجسد والعقل المتسقين))‏.‏‏. ويومئذ تدخل البشرية الحاضرة مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة على نفسها طوال تاريخها الطويل‏.‏‏. ولا يجيء فض الكبت فجأة، وبغير فكر يهدي التطور، كما يظن الماديون، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز، وهم لا يعلمون ما يقولون‏.‏‏. لا بد للفرد اليوم، من أجل تطوره في مضمار وحدة بنيته، من الكبت، المجود، الواعي، ليستطيع، بعد تجويد الكبت، أن يدخل مرحلة فضّ الكبت، بعلم، وبذكاء‏.‏‏. إن الكبت المكتسب يجب أن يجيء من قناعة، ومن يقظة ضمير، ومن توقد ذهن، ومن علم بأصل البيئة، التي نعيش فيها- البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية – لا أن يجيء من الخوف الذي سلط على أوائلنا، من جراء الجهل‏.‏‏. لقد كان الخوف - كما قررنا - صديقا لأوائلنا، ولكنه، منذ اليوم، هو عدونا، ويجب، بفضل الله، ثم بفضل العلم الجديد بأصل البيئة الطبيعية، والاجتماعية، أن نتحرر منه.‏. وفي مضمار التحرر من الخوف يجيء فض الكبت‏.‏‏.