الفرد والمجتمع:
يمكننا أن نشوف الصورة في الأول أن الفرد كان ، والمجتمع لم يكن .. هكذا كانت البداية .. الفرد كان ، والمجتمع لم يكن .. فسار الفرد بالصورة المعروفة عندنا من رجل وإمرأة وذرية بينهما .. وساروا ، في تكاثر وفي تطور ، متجهين بإستمرار لصورة من التعاون المفروض عليهم بدوافع الرغبة في الأمن ، والرغبة في الحياة .. نحن عندنا الصورة دي برضها تجئ في الدين .. وهي حقيقة أحب لها أن تكون مؤكدة .. وحقيقة أخرى تضاف إلى حقيقة نشأة المجتمع من رجل وإمرأة هي أن الدين ونشأة المجتمع بدأت بداية واحدة .. الآن نحن موضوعنا: "الدين والتنمية الإجتماعية" .. يمكنك أن تقول: الدين والمجتمع .. عن كيفية نشأة المجتمع قال: (يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة) ، دا الإنسان الفرد .. ثم قال: (وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) فتلك نشأة الأسرة .. ثم قال: (وإتقوا الله الذي تساءلون به ، والأرحام .. إن الله كان عليكم رقيبا) .. فنشأة الفرد سابقة لنشأة الأسرة ، ونشأة المجتمع جات بعد نشأة الفرد وبعد نشأة الأسرة بمدة طويلة .. والمسألة دي بتهمنا لأنو في ربكة كبيرة في التفكير الإجتماعي ـ في التفكير السياسي ، يمكنك أن تقول ، في الوقت الحاضر .. ياتو المهم: الفرد أم الجماعة ؟؟ نحب أن يكون مؤكد ، أن الفرد كان ، والمجتمع لم يكن .. ثم نشأت الأسرة .. الأسرة برضها لا بد أن تأخذ دور كبير جداً من جلستنا دي ، ومن إهتمامنا في هذا الحديث .. الأسرة هي المجتمع الأولاني ، أو اللبنة التي نشأ منها المجتمع .. فمن الأسرة جات القبيلة ، وإطورت المسائل لغاية ما جات الصورة الأممية التي نراها في وقتنا الحاضر ..
تشاريع الدين ونشأة المجتمع:
و الدين الذي هو موضوعنا: "الدين والتنمية الإجتماعية" هذا الدين نشأ في نفس الوقت الذي نشأ فيه المجتمع ، وفي الحقيقة يمكنك أن تقول ، تشاريع الدين نشأت في نفس الوقت الذي نشأ فيهو المجتمع .. ولا يمكن أن يكون في مجتمع بدون ما تكون في تشاريع دين .. إذا كانت التنمية الإجتماعية هي زيادة المجتمع ـ أفراد المجتمع ، في كمه ، وفي كيفه ، بغرض جعل المجتمع وسيلة صالحة ليوفر للفرد أن يتحسن نوعه ، بالحرية وبالثقافة ، وبممارسة الفنون المخلتفة ، وبسعة أفقه ، وببروز شخصيته ، وبحريته وكرامته .. إذا كان المجتمع هو معد لهذه المسألة ، فإن هذا المجتمع ، عندما بدأ في البداية كان أهم من الفرد .. والإنسان يلاحظ أن نشأة العرف الأولانية ، أو يمكنك أن تقول الشريعة الأولانية ، نشأت وهي في مظهرها ضد الفرد ، ومع الجماعة .. نشأت بتطويع الفرد لخدمة الجماعة ، وبصورة عنيفة جداً ، حتى أن الفرد كان يضحي بيهو في مذابح الجماعة ليرضى القوى الهائلة البخافها الإنسان كعدو ، أو بواددها الإنسان كصديق .. مظهر الجماعة كان طاغي على حياة الأفراد .. الدين نشأ في صدور الأفراد في وقت سابق لنشوء الشريعة ، أو قل القانون ، فإنه لا يمكن أن ينشأ مجتمع إلا حول هذه القوانين .. وهذه القوانين بتبدو في الأول عنيفة جداً ضد الفرد .. لكن إذا كان الإنسان دقق فيها ، وحدد النظر فيها ، يجد أنها هي لمصلحة الفرد ، من الوهلة الأولى ، كما هي لمصلحة الجماعة من الوهلة الأولى .. ويمكن إذن أن نقول أن الدين نشأ عند الفرد عندما علم أن هناك حياة أخرى ، وعندما علم أن هناك ، في البيئة البعيش فيها ، قوى كبيرة وهائلة ، وإن هذه القوى بعضها ضده ، وبعضها معاهو .. مثلاً الظلام ، الرعد ، الحريق ، الصواعق ، دي قوى ظهر ليهو أنها ضده ، وأنها رهيبة ، وأنها ما بهمها مصيره هو .. حرارة الشمس ، ودفؤها ، والمطر البينزل برذاذه ، وينساب ماؤه ، ويروي ليهو الأرض ، وينبت النبات ، النور البشعر بيهو مع دفء الشمس ، والبضئ ليهو طريقه ، ومسالكه .. كل الأشياء اللي زي دي قدر يصنفها ، ويبوبها . في منها حاجة معاهو ، وفي منها حاجة ضده .. لكنها كلها ، على أية حالة ، ساقته إلى رهبة كبيرة ، وإلى خوف كبير ، وإلى نوع من ممارسة المصادقة ، أو المعاداة ، والمناجزة ، ودي كلها إنما هي من الأشياء التي ساقته ، وإضطرته إلى أن يعيش في مجتمع يتكاثر مع بعضه ليمشي بحياته لأمام ..
المجتمع ضد الفرد ؟؟
المجتمع طريقه كله كان مرسوم على أن الجماعة ضد الفرد .. إذا جينا للدقة نجد إنو ضدية الجماعة للفرد بتخدم الفرد في أنها بتهذبه ، وفي أنها بتربيهو ، وأنها بتخرج منو العصارة التي هي في آخر الأمر مقدرته ليسيطر على دوافعه الغريزية التي كانت عند الحيوان منطلقة بدون ضوابط .. يمكنك أن تقول أن أول ما نشأ من العرف ـ أول ما نشأ من الشريعة ـ هو عبارة الحرام والحلال ، في ضبط الغريزة الجنسية مثلاً .. لأنه إذا كانت العلاقة نشأت بين رجل وإمرأة: (إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ، وخلق مها زوجها) هذه الزوجة أصبح هناك في إتجاه ليها ، هذا الإتجاه لا بد أن يكون معان ، ومحمي ، من إندفاعات الغريزة الورثناها من الحيوان .. أصبح هناك في ضوابط .. أصبح الإنسان عليهو ألا يقرب قرابات معينة بالإتصال الجنسي بالزواج بيها .. حرمت مثلا ً الأم ، وحرمت الأخت ، وحرمت بنت الأخ ، وحرمت القريبات البصورة دي ، ودا الحكمة وراه أن يجعل الإنسان النسيب (الصهر) مطمئن حتى إنه ليسكن مع أصهاره .. إذا كان الولد محرمة عليه أخته ، فإن الرجل الأجنبي يمكنه أن يتزوج ويسكن مع أهل زوجته ، وهو مطمئن على زوجته ، لأن العرف قائم على إنو الولد لا يمكن أن يقرب أخته ، أيضاً فإن الأب لا يقرب بنته ، هو إذن مطمئن على زوجته ، وغيرته الجنسية الموروثة من الحيوان من قديم يمكن أن تجد تهدئتها ، يمكن أن تجد طمأنينتها في أنه هو واثق من أن الأمور بتسير في غيابه على ما يرام .. أصبح الإنسان ، بهذا القانون ، في وقت واحد ، يراعي حق الجماعة في صيانة عرفهم الذي يشيع الطمأنينة بين الناس حتى يتكاثروا ، وحتى يعيشوا مع بعض ، فتبقى الأسرة ، والولد البالغ مع أبوه ، والصهر يعيش معاهم ، ويتكاثروا بالصورة دي .. وفي نفس الوقت الذي هو براعي فيه هذه الحقوق يجد إنو أصبحت عنده ضوابط لنزعاته ولغرايزه ـ عنده سيطرة ـ عنده إرادة تسيطر على شهوته .. من هنا بدأ العقل مسيرته ، وبدأ المجتمع البشري يدخل في تطوراته المختلفة .. ومشت المسألة دي حادة ، أشد الحدة ضد الفرد .. ولكن إذا عاينت بدقة تلقى إن التشريع ، من الوهلة الأولانية ، موفق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة .. الشريعة نشأت بصورة ، من البداية ، فيها توفيق حكيم بين حاجة الفرد ، وحاجة الجماعة .. لكن الأمر ظاهر فيهو الضغط على الفرد ، لأن الفرد حيوان شرس ، وعنيف ، وغير مروض ، ويحتاج إلى كثير من الإرهاب ، ومن التخويف من عقوبة مخالفة هذه القوانين .. وهذه القوانين ، بطبيعة الحالة ، نشأ معاها الرأي الديني في العقيدة في إنو إذا كان هو أمن عقوبة المجتمع فإن القوى الرهيبة البخافها ، ويجب أن يكون في سلام معاها ، برضها مشرفة عليهو ، وبتطلع على ما يكنه ويخفيه .. دي معاني نشأت برضو في البداية ، ووصفت هذه القوى فيها بأن عندها المقدرة الخارقة على أن تعرف ما تعمله أنت ولو كنت في خلوتك ..